خلف إقدام النظام في دولة تشاد على افتتاح قنصلية “وهمية” في مدينة الداخلة الصحراوية المحتلة، مواقف رافضة لهذا القرار غير المدروس في هذا البلد الفقير القابع في قلب منطقة الساحل والصحراء، ومن بين الذين أغضبهم هذا القرار الأمين العام الأسبق للرئاسة في هذا البلد، عثمان عبد الرحمن جوغورو.
وفي مقال له بموقع صحيفة “تشاد وان” على الأنترنيت كتب السياسي التشادي غاضبا: “افتتحت تشاد قنصلية لها في مدينة الداخلة بالجمهورية الصحراوية، وهي منطقة تشهد صراعا دبلوماسيا شائكا بين الجزائر والمغرب. وهذا يعني أنه من الآن فصاعدا، تعترف بلادنا بسيادة المغرب على هذه الدولة، ومن ثم تتخلى عن موقف الحياد الصارم، الذي استمر لمدة 50 عاما، وذلك بهدف الحفاظ على علاقاتنا مع المغرب والجزائر”.
وانتقد الأمين العام السابق للرئاسة في التشاد موقف بلاده الذي من شأنه أن يؤزم العلاقات مع الجزائر: “هناك مخاوف من أن يؤدي هذا الاعتراف إلى المساس بعلاقاتنا مع الجزائر، كما يشكل انتهاكا لقرار الاتحاد الإفريقي، الذي أحال هذا الأمر إلى الأمم المتحدة للحسم فيه”.
ولم يقتنع عصمان عبد الرحمان جوغورو بجدية ووجاهة قرار سلطات بلاده: “إن افتتاح قنصلية يجب أن يلبي بعض المصالح الاستراتيجية للبلاد. وبموجب اتفاقية فيينا لعام 1963، تتولى القنصليات مسؤولية ضمان حماية رعاياها، وإصدار التأشيرات للأجانب الراغبين في السفر إلى البلاد، وإصدار شهادات الميلاد للأطفال المولودين في المدينة المعنية، وتكون بمثابة وسيط اقتصادي. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت مدينة الداخلة (الصحراوية المحتلة) تلبي هذه المعايير”، قبل أن يوجه رسالة لمواطني بلاده: “يجب على التشاديين أن يشعروا بالقلق إزاء افتتاح قنصلية في مدينة لا تستضيف أي عائلات تشادية تقريبًا، الأمر الذي قد يخدم مصالح الجماعات عديمة الضمير”.
ورغم وجود عدد قليل من الشركات المغربية في تشاد، يقول السياسي التشادي، إلا أن “التجارة بين البلدين تكاد تكون معدومة. على سبيل المثال، تشكل شركة CIMAF، التي تنتج الأسمنت في تشاد، تصديرا مقنعا للمواد الخام المغربية، حيث يتم استيراد الكلنكر، المكون الرئيسي للأسمنت، من المغرب. ومن الواضح أن هذا يخلق منافسة غير عادلة لمواطنينا الذين يستوردون الأسمنت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن MOOV AFRICA والتجاري وفا بنك من الاستثمارات التي من المرجح أن تشهد تغيرا سريعا”.
وبخصوص المزايا المرتبطة بالتعاون مع الجزائر، التي وصفها بالقوة العسكرية الثانية في إفريقيا وواحدة من أفضل الدبلوماسية الإفريقية، ستكون كبيرة على المدى القصير والطويل، يقول جوغورو، هناك عدة مشاريع عملاقة وواعدة يمكن أن تعزز المصالح الجيواستراتيجية لتشاد.
وأول هذه المزايا، تتوفر الجزائر على ميناء كبير في البحر المتوسط، ما يسمح لكل من مالي والنيجر وتشاد غير الساحلية، الأعضاء في لجنة الاتصال بالطرق العابرة للصحراء (CLRT)، بضمان تجارتها مع أوروبا مرة واحدة، بعد اكتمال الطريق عبر الصحراء، الذي يجمع الجزائر ومالي والنيجر ونيجيريا وتشاد وتونس، وقد تم تمويل أقسام طريق ماساكوري- نغوري، ونغوري- بول، وبول-ليوا، وريغ، وهي مقاطع تقع في تشاد.
وبالإضافة إلى ذلك، تحدث جوغورو عن الحصول على تمويل لمشروع العمود الفقري للألياف الضوئية، بما يقارب 60 مليار فرنك إفريقي، بفضل بنك التنمية الآسيوي. يهدف هذا المشروع إلى ربط العمود الفقري للألياف الضوئية في أوروبا عبر الجزائر، فضلا عن خط أنابيب الغاز عبر الصحراء، والذي تعمل تشاد على الانضمام إلى اللجنة الثلاثية بين نيجيريا والنيجر والجزائر لتنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز الضخم الذي يربط إفريقيا بأوروبا، وهي قضية عالمية في السنوات القادمة.
وبالإضافة إلى ذلك، والكلام للمسؤول التشادي السابق، فقد قامت الجزائر بتدريب مديرين تنفيذيين ذوي كفاءة عالية يعملون في جميع قطاعات النشاط تقريبا في تشاد، وهو ما يجعلها من الدول النادرة التي قامت بإنقاذ تشاد ماليًا في السبعينيات، عندما كانت البلاد في حالة حرب.
محمد مسلم