القائمة الرئيسية

الصفحات


عودتنا الجبهة الشعبية عبر تاريخها الطويل على الوقوف كل مرة لمراجعة الذات و تقييم و تقويم المسار، ولم يرتبط ذلك بالمحطات المهيكلة أو المبرمجة كالمؤتمرات الشعبية العامة أو الاساسية بل عندما يستشعر التنظيم السياسي من خلال مناضليه و اطره الملتزمة بأن هناك ظاهرة تتفشى أوخلل  يعرقل السير العادي للعمل الثوري،  أو يستشف بأن امورا ما يمكن أن تتطور في اتجاه يهدد المصير، يُدق حينها ناقوس الخطر و تُستنفر القيادة التي كانت جماعية أو شبه جماعية  لتتجاوب بالسرعة المطلوبة مع قواعدها الشعبية، مسلحة برؤية واضحة مدروسة لا مكان فيها للارتجال وتواجه الظاهرة بالشرح و التحليل و الإقناع مرفوقة بالصرامة مع تزويد المناضلين الثوريين بترسانة من الأسلحة التي لا تحيد عن مباديء الجبهة و اساليبها في مواجهة المخاطر و محو الظواهر المشينة دون المساس بالمعنويات العامة  أو الانسجام وتراص الصفوف.
لم تفشل الجبهة ابدا في اجتياز أصعب المراحل وأعقدها من خلال وقفات لتقييم البرامج ونقد الخطط ومراجعة الأداة بل مراجعة السياسة العامة وتقويمها وملاءمتها مع المتغيرات المستجدة.
احيانا دون سابق انذار يُستدع عدد من الاطر مختارة من مختلف المستويات التنظيمية والمسؤوليات المؤسساتية لاجتماع موسع بالرئاسة، يحضره رأس هرم السلطة لدارسة نقطة معينة في الغالب الحالة العامة، يتم  ذلك بدون تكلف ولاتزلف تتبادل فيه الاراء وتُقترح فيه الحلول، تلك صفة حميدة عرفناها في إحدى محطات تسيير الرئيس الراحل محمد عبد العزيز.
إن التوقف للمراجعة و التقييم ليس عيبا بل سنة حميدة و تقليدا مفيدا انتهجته حركات التحرير قبلنا و اعتمدته الجبهة الشعبية و كان اسلوبا ناجعا ، سواء كان هذا التوقف من خلال ندوة أو ملتقى أو لقاء لأطر  معروفة بالنزاهة و الاستقامة وذات تجربة طويلة و قدرات فكرية متميزة  وحبذا أن يكون الحضورغير خاضع للانتخاب حتى تضمن النوعية و الابتعاد عن تكرار نفس النسخ البالية التي تصحر فكرها.
إن هذا الملتقى أو سميه ماشئت لا يمس من مصداقية عمل الهيئات التنظيمية بل هدفه هو مساعدتها و دعمها في ترميم السكة الحديدية التي يمر فوقها قطار ثورة عشرين ماي الذي اختاره الشعب الصحراوي وحيدا أوحد.
إن مشكلتنا اليوم ليس في القطار الذي نركبه و لا في من هو  وراء المقود، بل مشكلتنا عميقة وأزمتنا أعمق. إنها تتلخص في السكة التي يسير عليها القطار، إنها سكة تآكلت مع طول الزمن و التفريط  في صيانتها، اعتلاها الصدء ولعبت كثبان الرمال على مقاطع منها فأي سائق مهما كانت تجربته و خبرته و انفراده بالقيادة لن يستطيع ايهام الركاب بأنهم سيصلون سالمين دون أن ينحرف القطار أو ينقلب ويصبح الجميع في خبركان.
اذاً المشكلة هي أخطر من ما نتصور.
إن الأزمة الحالية التي ليست وليدة اليوم بل افرزتها تراكمات متتالية خلال مسيرة طويلة، أصبحت تمس الثوابت و المقدسات، تمس عقيدة و فلسفة الجبهة الشعبية، بل تمس الشعب ككتلة موحدة تمس الدولة ككيان بل تمس الوجود، يعني المصير الذي أصبح على كف عفريت. إن المسؤولية هنا جماعية والأطر بصفة عامة و الكوادر القيادية، خاصة السياسية، تتحمل الوزر الأكبر وهم الذين وجه لهم مفكر الثورة ومنظم أول لقاء للأطر غير المنتخبة،  الشهيد الولي مصطفى السيد الكلام، عندما استقبل الناجين من مخيم "ام ادريكة" حفاة عراة، قلوب منكسرة و عيون زائغة حيارى و ماهم بحيارى، قال رحمه الله وهو يعتصر ألماً : " لقد أجرمنا، أجرمنا في حق شعبنا اذا لم نعده إلى دياره معززا مكرما" ان جميع القيادات الصحراوية مجرمة وستحكم عليها محكمة التاريخ بالنذالة و الخسة- وطياح الدرجة- اذا لم تخلق على الأقل في أسرع وقت مجالا لإعادة الثقة والأمل و الأمان للمواطن الصحراوي وصقل صورة الجبهة التي أصبحت ضبابية حتى لا أقول مُشوهة وتعود المخيمات منسجمة مع تسميتها "مخيمات العزة و الكرامة" وان لا تكون هذه المخيمات محل نفور وطرد لسكانها.
ان مراجعة المنطلقات و المباديء و البرامج و الهياكل وحتى السلوكات لحركة تحرير مثل جبهة البوليساريو أصبح ملح و أكثر من ضروري. إن البعض منا  لا زال  يعتقد انه بعد خمسين عاما ومع صعود الجيل الثالث والرابع مازال يمكن أن يسيرقطار الثورة على نفس السكة التي وضعت له منذ خمسة عقود دون مراجعة و تجديد.
إن المجتمع الصحراوي تغير والمفاهيم والأفكار تغيرت و المنطقة من حولنا تغيرت وأساليب العدو  في القضاء على وجودنا تغيرت بل العالم برمته يتحول وسائر بسرعة إلى التغيير. أين نحن من كل هذا ؟ 
في اعتقادي وربما أكون مخطئا ان الضرورة الوجودية تفرض على الوطنيين وقفة مع الذات لتنظيم وإصلاح و معالجة الطريق التي يتدحرج عليها حاليا قطار العشرين ماي و لن تكون هذه الوقفة إلا في إطار التنظيم وداخله. فعندما تصقل السكة وتقوى مرتكزاتها وتحصن الطريق، سيسهل على اي كان أن يكون وراء المقود ويسافر الركاب بسلام إلى محطة الاستقلال، دون ذلك سنبقى في دوامة الشخصنة و التآكل بين الاطر القيادية مما يفتح المجال لكل من هب ودب في الخوض في السياسية ويختلط الحابل بالنابل ويفقد  رادار الثور إتجاهه . عندها لاقطار، لاسكة ولا قائد ولا مقيود وسيكتب التاريخ حينها مع الأسف أن الصحراويين أبطال لكن بلا مجد.
بقلم: محمدفاضل محمدسالم الهيط

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...