أفصحت فرنسا عن موقفها بشأن الخطة المغربية "للحكم الذاتي" في الصحراء الغربية المتمثل في التأييد لهذه الخطة التي هي اصلا إنتاجا فرنسيا أحيكت خيوطه في باريس سنة 2005 بغرض القفز على المشروع الأممي القاضي بإجراء استفتاء تقرير المصير الذي أنشأت بعثة اممية للإشراف عليه وتطبيقه.
الموقف الفرنسي ليس بالجديد ولا بالمفاجيء، لكن الغريب هو شكل وتوقيت هذا الأعلان الشيء الذي يبرز عمق التخبط و الإرتباك و حالة السقوط الحر لدولة هي عضو دائم في مجلس الأمن تتصرف بحجم دويلة قزم.
أولا: من ناحية الشكل سُرب قرار الإعتراف بتأييد "حكم ذاتي" للصحراء الغربية تحت سيادة المغرب، سرب منذ أيام الى الجزائر وقطعا الى المروك، دون ان يُعلن عنه رسميا من طرف الدولة الفرنسية. القرارإنتظرحتى تنتهي الإنتخابات التى عَصفت بالنظام السياسي الفرنسي وهزت ركائزه، الشيء الذي يعكس ان القضية الصحراوية كانت محل مقايضة بين القوى السياسية المتنافسة مما يُظهر بان هذه القضية أصبح لها ثقلها ووزنها و يحسب لها حسابها في الصراع على السلطة في هذا البلد. القرار أيضا تأخر كثيرا حتى تتكفل به حكومة تصريف أعمال أي لايلزم الحكومات الماضية و لا التي ستأتي بعد التشكيل عند إنتهاء الألعاب الألمبية، فإذا ما أرادت هذه الأخيرة التملص منه أو فقط عدم ذكره على طريقة إدارة بايدن مع تغريدة ترامب، يمكنها أن تفعل ذلك.
فرنسا إعتقدت أنها يمكن أن تلعب على الحبلين تُرضي المخزن دون صخب و تمررالرسالة من تحت الطاولة للجزائر لعلها تبتلعها وتسكت، في الأخير لاهي أرضت المغرب الذي لم يتحمس كعادته لهذا النوع من المواقف و لا الجزائر سكتت.
ثانيا : من خلال التوقيت ، كيف حتى لمُبتدء في أبجديات السياسة أن يفهم أو يفسر إقدام فرنسا على خطوة من هذا القبيل تعتبر إستفزازا للدولة الجزائرية؟
الجزائر التي تخطب أوروبا جميعها اليوم، ودّها والرئيس ماكرون نفسه ينتظر طوق النجاة بزيارة الرئيس تبون الى باريس سبتمبر القادم - تلك الزيارة التي ربما أصبحت في خبر كان-. هل تدرك فرنسا أن غريمتها المانيا تتحيّن الفرص للإستحواذ على مشرع الهدروجين الضخم االذي سيُضخ من الجزائر لتزوّد به القارة العجوز، بعدما استحوذت إيطاليا على مشروع الغازعبر البحر و كأني بحكام فرنسا لم يستفيدوا من الدرس الذي لقن لمملكة اسبانيا بالأمس القريب.
فوق هذا وذاك ألم تفهم فرنسا المتهالكة بأن طردها من الساحل و خسارتها لأفريقيا وتقليص دورها في الشرق الأوسط جعلها لاوزن لها في السياسة الدولية ، تضيف عليها الآن العداوة لأهم دول الشمال الأفريقي و محور المغرب العربي والقوى الصاعدة التي بداء يحسب لها الف حساب التي هي الجزائر ذات الدبلوماسية الرصينة و المواقف الثابتة لامواقف الإبتزاز والحسابات الضيقة.
ثالثا :هل نحن أمام سقوط الجمهورية الخامسة على يد الجزائركما سقطت الجمهورية الرابعة بفضل حرب التحريرالمباركة. فماكرون أدخل فرنسا في نفق مظلم لا اليمين حسم الإنتخابات و لا اليسار انتصر و لا المكرونية أعادت مكانتها و يكفي انه الى الآن دولة تدعي انها قوة عظمى تسيّرها حكومة تصريف أعمال دون صلاحيات باتخاذ القرارات.
إذا التأييد الجديد القديم للحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية كونه لا يغير من جوهر القضية التي هي قضية تصفية استعمار بحكم القانون الدولي إنما هو في الوقت الراهن "بالون" اختبار و "تيرموميتر" لقياس ردود افعال الجزائر و المروك، لكن أين أصحاب القضية من كل هذا؟ أين الصحراويون من ما يدبر و يحاك و يقاس به؟ هل نحن فقط رقعة شطرنج تدار فوقها الحروب ولا نحرك ساكنا؟
إن الضعف الذي نعاني منه كحركة تحرير إنغمست في وحل التسيير الإداري اليومي – مع الأسف لم يأتي بنتيجة تذكر – و تركت مهمة التحريرالمقدسة التي تبدء ببناء الإنسان الصحراوي، بترسيخ العقيدة النضالية و الإيمان بالتضحية إعتمادا على الذات الوطنية.
فقط الإهتمام بالعنصر البشري، بالمواطن الصحراوي بدفعه الى الإبداع و الإبتكاروخلق لديه حافز التحدى و روح الإنتقام من العدو الذي عاث في الأرض فسادا، يمكن بدلك نسف مشاريع فرنسا والقوى المعادية لتطلعات الشعب الصحراوي.
اليوم قبل غد من الضروري الوقوف هنيهة والتأمل في المصيروإتخاذ قرارات جريئة تقفز بالثورة من بؤرة اليأس الى الأمل و المستقبل الواعد و تبقى المسؤولية الأولى و الأخير على من بيدهم القرار السياسي و بقية النخب السياسية و الثقافية.
كفى من التسول لدى الأمم المتحدة وانتظارماسيفعله الغيرلصالحنا.
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط