في يوم من الأيام هاتفني زميل عزيز يدير موقع إعلامي معروف وهو الصديق حمة المهدي مدير تحرير وكالة "لاماب" المستقلة، قال لي أنه يرغب في أن أكون ضيف حلقة نقاش وأن أقدم محاضرة عن تجربتي كإعلامي رافق الجيش وكيف كنت أراسل الوسائط الإعلامية والعمل بتلك الطاقة في ظروف صعبة، كانت مناسبة الحلقة هي ذكرى تأسيس وكالة الأنباء المستقلة حيث إعتاد الزملاء في "لاماب" تنظيم حلقة نقاش كل عام في يوم ميلاد هذا المنبر الإعلامي الحر.
أخبرت حمة أنني لا أجيد الكلام وأنه لم يسبق لي أن قدمت محاضرة ولا كنت ضيف حلقة نقاش، حاولت إقناعه لعله يعفيني من ما لا أجيد، لكنه كان مصرا ولقد نجح بذكاءه ولطفه وسحره الخاص أن يجعلني أحضر.
في الصباح الموالي إستيقظت باكرا ولبست أحسن بدلة لدي وتوجهت الى مكان توقف سيارات "باساجا"، فحجزت مكاني وتوجهت الى ولاية السمارة وتحديدا الى مكان عقد الندوة، مقر إتحاد الشبيبة الجهوي بالولاية.
كان هناك العديد من الوزراء والمستشارين والمدونين والنخب المدعوون فقلت في نفسي: يا إلهي كن معي فأنا لا أعرف كيف أتكلم أمام الناس وعادة ما يحمر وجهي وأفقد التركيز ثم أعتذر كلما طلب مني الإدلاء برأيي في تجمع ما فكيف بي أن ألقي محاضرة أمام كل هذه الوجوه اللامعة.
كان الكاتب والمدون الصديق العزيز البشير محمد لحسن ضيف نفس الحلقة فطلب منه أن يلقي محاضرته أولا فوقف وتحدث بكل أناقة وجاذبية ومعرفة وإدراك وكنت جالس الى جانبه والدور آتي علي بعد لحظات وأنا أحاول أن أستجمع قواي تمهيدا للوقوف والتحدث وكنت أعلم بأنني سأبدوا ك"المسخرة" لا محالة.
عندما أتى الدور علي نهضت بصعوبة وحاولت أن أتحدث بعفوية، وفي الواقع والى هذه اللحظة لا أعلم كيف تكلمت وكيف عبرت كل ذلك الوقت لكنني كنت متأكد أنني لم أكن موفقا مطلقا وأنني ودون شك لم أستطع أن أقدم أفكاري بالشكل الذي أريد وأعرف وأدرك .
عندما إنتهت المحاضرة كنت أول من خرج الى الهواء الطلق فقد كنت بحاجة الى التنفس بعمق خاصة وأنني كنت أتصبب عرقا من شدة الإحراج طوال وقت الجلسة وقبل ان ألتقط أنفاسي إقترب مني أحد المثقفين وقال لي بصريح العبارة: عبداتي لم تكن موفقا، أنت أفضل حين تكتب.
قلت له أعلم ذلك ولذلك كنت دائما أتجنب حضور الندوات والإجتماعات التي لابد للحاضرين فيها من النقاش والإدلاء بالرأي ولذلك أيضا كنت دائما أنأى بنفسي عن الترشح للمؤتمرات او المؤسسات التي لابد من الذي إنتدبته الناس للتحدث بإسمها أن يرفع صوته من أجلها بطريقة الحديث المباشر أمام الجمع.
قلت له أنا إنسان يحاول أن يعبر بالطريقة التي يرى نفسه فيها، إنسان منعزل بنفسه لا منعزل عن الواقع، إنسان يكتب أكثر مما يتكلم.
مؤخرا طلب مني ومن صديق عزيز رائع، هو مثقف من الطراز الرفيع وقاريء كتب جيد وهو أبا محمد فاضل، طلب منا الحديث الى وسيط إعلامي دولي معروف، توجهنا الى مكان التسجيل ولأنه لم يكن معي إلا صديقي والمصور فقد نجحت في التحدث وكنت موفقا وعندما أتى الدور على صديقي أبا كان يتحدث كلمتين ثم "ينغم" ويتلعثم فيحمر وجهه فيطلب إيقاف التسجيل وهكذا الى أن خرج الوسيط الإعلامي بتصريح لم يفهم أوله من آخره وكنت بجانبه أنظر إليه ضاحكا كلما طلب منه التركيز والبدء من جديد.
عندما إنتهت المقابلة قلت لأبا وأنا أمازحه لقد كنت ك"المسخرة"، قلت له هذا الموقف سبق أن وقعت بنفسي في واحد مثله من قبل فلا تقلق يا صديقي فكلنا في الهوى سواء، قال لي أبا لو أنهم فقط طلبوا مني أن أكتب رأيي دون أن ألقيه أمام الميكروفون والكامرة.
والخلاصة .. لكل واحد منا نقاط ضعف ونقاط قوة والكمال لله وحده ولو أن كل واحد فينا ركز وعمل في ما يتقن وتجنب وترك ما لا يعرف لأصبح هذا المجتمع أفضل وأكثر نضج وأجمل صورة وأنصع واجهة ..
عبداتي الرشيد