بين جانفي 2021 واكتوبر 2023 عملت صحفيا مديرا بالمؤسسة الجهوية للإعلام بولاية العيون، كانت هذه الفرصة كتجربة من أجمل السنوات خلال مسيرتي العملية، فقد منحتني ولأول مرة منذ إلتحاقي بالحياة العملية بداية العشرية الثانية من الألفية الجديدة فرصة العمل بالقرب من القاعدة الشعبية.
خلال هذه الفترة ولأنني كنت أعمل بعيدا عن مكان إقامتي بولاية اوسرد فقد إعتدت شراء وجبات اليوم الغذائية من محل قرب مكان عملي.
كان تاجر المحل شاب طيب ستتحول معرفتي به الى صداقة، كان يسجل علي ما أشتريه وفي نهاية الشهر أدفع له المبلغ، وقد إعتدت ونتيجة الثقة المتبادلة على عد "ديني" بنفسي.
ولأنني كنت واحدا فقط من عشرات المواطنين الذين يتردون على المحل لإقتناء حاجياتهم بنفس الطريقة أي "الدين" ولأنني فضولي بطبعي ومحب للإستكشاف والدراسة فقد كانت المناسبة فرصة لي لأطلع على المستوى المعيشي لنموذج من المواطنين وأعتقد أنه هو الأغلبية.
وصدقوا او لا تصدقوا أن من بين الذين يسجلون بكثرة في دفتر "الدين" عشرات العائلات وماذا تقتني دينا؟ (الخبز مثلا وبطة اتون وبكط كانديا وكوش الأطفال) هذه الحاجيات مثلا من بين أمور كثيرة يفترض ان المواطن في الحالات الطبيعية لا يشتريها دينا وإن حدث فمرة مرة، ولكن ان تتحول مشتريات المواطنين من سلع بسيطة كالخبز مثلا الذي يشترى ب 10 او 15 دج كأقصى ثمن فهذا يعني ان الحالة المادية للأفراد قد تدهورت حقا.
المحزن في الأمر أن صاحب المحل أخبرني ان الكثير من العائلات لا تستطيع حتى دفع ثمن الدين الذي أحيانا لا يتجاوز 2000 او 3000 دج وأنه في الغالب يعفيهم من الدفع نهائيا ويجعل الامر في سبيل الله جزاه الله خيرا.
والقصد ..
المجتمع كبر وتغير والمعاناة طالت والانتظار طال وقد يطول أكثر والناس تغيرت أحوالها والمنظمات الدولية عمدا او لأسباب سياسية او لتراجع مواردها قلصت مساعداتها للاجئين الصحراويين، وكل شيء أصبح يشترى وقوت اليوم كي تأكل فقط وتشرب، دعك من الحاجيات الاخرى الضرورية، أصبح يحتاج الى المصروف والمصروف لابد له من عمل والعمل غير موجود، وأعتقد أنه لولا لطف الله اولا وجهد الجبهة الذي لا ينكر خلال عقود وصبر هذا الشعب العظيم الدائم ومساهمات المهاجرين من أبناءه في تخفيف معاناة عائلاتهم وجهد التجار والخيرين لأصبح الحال أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم.
ليس عيبا ان تراجع الدولة ونراجع جميعا كمواطنين احوالنا ونكيفها مع متغيرات الحال والزمن وتقلبات المعطيات، الشعارات والآمال وحدها لا تكفي وهذا جيل وزمن جديدين لا يرحمان.
علينا أن ننسق مع شركائنا وحلفائنا -بما يسمح- لنفتح الباب أمام شبابنا وخريجينا وابناءنا جميعا أيا كانت مستويات تعليمهم لأجل العمل من عرق الجبين، لا احد يريد العيش مجانا ولا يوجد المجان في عالم اليوم، وان لا نغلق الأبواب في وجوههم وان ندرس وضعنا بشكل براغماتي بعيدا عن العاطفة وعن الشعارات.
هذا وحده هو الحل الذي سيعزز الشعار الذي نرفع دائما وهو عوامل الصمود، الصمود الذي لن يتجسد بمنح وصدقة الأخرين البائسة علينا بل بسواعد أبناءنا وعرقهم حين تتاح لهم فرصة العمل والإبداع والتضحية بعيدا عن ركوب المخاطر والموت كل مرة في أرض.
والله افرج ..
عبداتي الرشيد