"الجهل المقدس"!
نتكلتوا, يحرق بيكم, أنتوما و تركتكم!
سبق لي و إن كتبت فيما يخص علاقة إبني بالرسوم المتحركة.
اليوم, سأعود لهذا الموضوع و لكن من زاوية أخرى.
من زاوية" الرسوم المتحركة", ألتي تنتج( بضم حرف النون), تنتج لإستهلاكنا نحن الكبار.
في العقدين, الأخيرين, ظهرت مجموعة من الكتب, تحكمت في درجة حرارة النقاش, الأدبي و الأكاديمي و التاريخي و الفكري.
كتب, من إنتاج" الغرب الجماعي", الهدف من ورائها, غلق"دومينو", الساحتين الأدبية و الفكرية ب"دوبل السيس".
قضي الأمر.
نحن من نوجه النقاش و نحن من نضع الأسس الفكرية و النظرية, لأي نقاش علي هذا الكوكب.
البقية, مستمعون, أو مستهلكون.
ظهر كتاب"صدام الحضارات و إعادة تشكيل النظام العالمي", ل"صامويل هينغجتون"...ملأ الدنيا و شغل الناس.
فكرة الكتاب, تدور حول, أن الحرب"القادمة" , حرب دينية-عقائدية بحته, وأن طرفاها سيكون الغرب المسيحي و العالم الإسلامي و أن بقية " الحضارات", ستقف مع أحد الطرفين.
شخصيآ,أعتقد بأن هذا"الصدام", قادم لا محالة.
يمكن تأجيله, لكن, لا يمكن إيقافه.
ظهر كتاب" نهاية التاريخ و الإنسان الأخير"للبروفيسور"فرانسيس فوكاياما".
فكرة الكتاب تتمحور, حول, بأنه بإنتصار الفكر الرأسمالي علي الفكر الشيوعي و سقوط حائط"برلين", فإن التاريخ إنتهى.
لو كنت مكان البروفيسور"فوكاياما", لكنت إخترت عبارة"توقف" التاريخ و ليس"نهايته.
الحتمية و الجدلية التاريخيتين وقفتا للمفكر الأمريكي بالمرصاد.
سقطت نظرية"نهاية التاريخ".
ظهر كتاب" صناعة الجهل و تفكيكه", لكاتبيه"روبرت بكتور", و "لوندا شيبنجر".
موضوع الكتاب, صناعة كائنات بيولوجية و ليست بشرية, تشارك في الإنتاج و لا تشارك في التفكير.
هذه الكتب الثلاثة, لم تكن كتبآ هدفها التنوير أو فتح أفق أوسع للنقاش.
هدفها, كان"توريطنا"في نقاش قضايا, تم الإتفاق عليها سلفآ في غرف" التاريخ "المظلمة, و لكن يجب تحضيرنا نفسيآ و"فكريآ"للمشاركة في عملية سن سكاكين ذبحنا و "إختيارنا" للوضعية التي نريد ان نذبح عليها.
من لم يقرأ التاريخ, سيكون هدفآ له, و من لم يستوعب دروس التاريخ, سيخرج من الجغرافيا.
وصلنا, لكتاب عجالة اليوم.
إنه كتاب"الجهل المقدس", لكاتبه,"أوليفيه روا".
يتحدث, "روا"في كتابه عن زمن دين بلا ثقافة.
لو كنت مكان"روا", كذلك, لتحدثت عن زمن " تدين ", بلا ثقافة و ليس عن زمن دين, بلا "ثقافة".
الدين وحي, و فقه و شريعة, و التدين طريقة إتباع وحي ما أو فقه ما أو شرع ما .
لقد درسنا الغرب"جيدآ", و لكن "عقد" التاريخ, ما زالت , جراحها لم تندمل بعد.
نحن, الآن ضحايا جهلنا"المقدس".
كنت, و أنا صغيرآ, أسمع والدي - رحمة الله عليه-عندما يري شيئآ لا يعجبه, يقول..."مر يا أجهل".
الآن و مع كر الأيام و السنون, فهمت بأن"الجهل", الذي كان يقصده والدي, ليس الجهل المعرفي, و إنما الجهل الديني و الأخلاقي و السلوكي.
فهمت, بأن والدي, يقصد ذلك النوع من"الجهل"المرتبط بالموروثين الديني و المجتمعي.
إنها"أمية", ليست مرتبطة بالقراءة أو بالكتابة, إنما مرتبطة بجهل الغاية من وجود الإنسان على هذه الفانية.
هذا فيما يخصنا, نحن الكبار و فيما يخص إستقلالنا الفكري,أو عدم إستقلالنا, حتي لا نكون وجبة شهية على موائد, صناع" الأفكار "و الحروب و تجار الوهم و باعة القيم.
في عالم اليوم, أنت أحد إثنين, مستقلآ أو مستغلآ.
الآن تعالوا, لأبنائنا....
هل, جلس أحدكم أمام التلفاز, يتفرج مع أبنائه , "الرسوم المتحركة".
كارثة, يا جماعة الخير.
في زمننا, كانت "الرسوم المتحركة", تثقف, تربي, تنور, تمتع, تعلم الإيثار, الشجاعة, مساعدة الضعيف....على الأقل كانت لها بداية واضحة و نهاية واضحة.
من منا لا يتذكر" سندباد", "زينة و نحول", " أليس في بلاد العجائب", " غرندايزر".
كانت"رسومآ", تحمل الكثير من الطيبة و الكثير من " الوقار"الطفولي.
حاولوا, الجلوس مع أطفالكم, الآن مع أي من هذه"الرسوم".
لا تعرف, هل تبكي, أم تضحك.
"كائنات", بثلاث روؤس و خمسة أرجل....ست عيون و ست أذنين...كلام...كلام...صياح.. حاولوا إيجاد جملة مفيدة واحدة.
يا سيدنا نوح.
في زماننا, بعد نهاية أي"رسوم", تسألنا, سنعيدها عليك, من طقطق, للسلام عليكم.
الآن, بعد أي رسوم, إسأل إبنك, ماذا تفرجت الآن يا إبني؟
سيصمت أو سيضحك ببلاهة.
في الحالتين, نجح من أراد أن يصنع من أبنائكم"كائنات".
إنتبهوا, لأبنائكم, يحرق بيكم.
نحن الكبار, كنا بضاعة في سوق "الفكر" و سيتم تحويل أبنائنا إلي سلعة في سوق"الإستهلاك".
و الأيام, يومان.
د : بيبات أبحمد .