“القدس العربي”: شنّت صحف جزائرية هجوما حادا على الحكومة الفرنسية عقب إعلان وزير التجارة الفرنسي أن بلاده ستمول استثمارات في الصحراء الغربية، وهي المنطقة التي تعتبرها الأمم المتحدة آخر مستعمرة في أفريقيا، وتطالب بتقرير مصيرها وفق مقررات الأمم المتحدة، بينما يتمسك المغرب بخطة الحكم الذاتي المرفوضة لدى جبهة البوليساريو والمتناقضة مع القانون الدولي.
وأجمعت عناوين الصحف الجزائرية، على أن التصرف الفرنسي غير مقبول من ناحية القانون الدولي، ويهدد بإفساد العلاقات مع الجزائر بعد مرحلة النضج التي وصلت إليها بتعبير الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا. وذهبت بعض المقالات إلى حدّ توقع أن يهدد القرار الفرنسي الزيارة المبرمجة للرئيس الجزائري إلى باريس نهاية أيلول/ سبتمبر، وهو ما سيكون بمثابة ضربة موجعة للعلاقات ستعيدها إلى نقطة الصفر.
وفي مقال لها بعنوان “أشباح الاستعمار تعود من جديد”، قالت صحيفة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية، إن التقارب بين باريس والرباط على وشك أن يتم على حساب القضية الصحراوية. وأضافت: “يبدو أن المستعمر القديم والمحتل الحالي للأراضي الصحراوية قد وجدا نقاطا مشتركة، ويعتزمان، دون أي تردد، الاستثمار في الصحراء الغربية، وهي منطقة محتلة من قبل المغرب”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “وضع الدولة المحتلة ولا نضال الصحراويين من أجل الاستقلال، يبدو أنهما يردعان فرنسا، وهي قوة استعمارية سابقة تتحالف الآن مع الدولة المستعمرة الوحيدة في أفريقيا”.
ووفق كاتب المقال، فإن “فرنسا، من خلال تصريحات وزيرها للتجارة الخارجية، تفتح الباب أمام دعم غير مشروط للمواقف الاستعمارية للمغرب”. ولفت إلى أن “فرنسا التي تعود إلى ماضيها كدولة مستعمرة، مستعدة للتضحية بكل القيم التي تدعي الدفاع عنها من أجل تلبية مصالح اقتصادية واستراتيجية بحتة”. ويختتم الكاتب مقاله بالقول: “إن التصريحات الأخيرة لوزير التجارة الخارجية الفرنسي، تؤكد أنه لم يكن من الصعب الوصول إلى حل وسط بين مستعمر قديم ومستعمر حالي”.
من جانبها، ذكرت صحيفة الشروق أن “باريس تسير على خط مستقيم وباتجاه تصاعدي، يتجه عكس طموحات السلطات الجزائرية، التي انخرطت منذ مدة رفقة نظيرتها الفرنسية في مسار تصحيح العلاقات الثنائية التي تعرضت للكثير من المطبّات خلال السنوات القليلة الأخيرة”.
ولفتت الصحيفة إلى أن “باريس تدرك حساسية وخطورة القضية الصحراوية على العلاقات الثنائية قيد الترميم، ومع ذلك تصر على الإمعان في تدمير ما تم بناؤه في وقت قريب، لأن مشاركة الخزينة العمومية الفرنسية في تمويل مشاريع للاحتلال المغربي في الأراضي الصحراوية المحتلة، يعتبر ليس فقط انتهاكا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة، ومن ثم إضرارا بالعلاقات الثنائية، بالنظر لأهمية القضية الصحراوية بالنسبة للأمن القومي للجزائر”.
وأبرزت الشروق أنه “من سوء حظ المدافعين عن ترميم العلاقات الجزائرية الفرنسية، فإن الموقف الفرنسي الجديد من الصحراء الغربية، جاء بعد أسابيع معدودة من المكالمة التي جرت بين الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والتي تم خلالها ضبط موعد زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا الخريف المقبل”. وعقّبت على ذلك بالقول، إن “هذا التطور سوف لن يخدم هذه الزيارة وسيؤثر من دون شك على العلاقات الثنائية، التي لا يستبعد أن تنتكس مجددا أمام استفزاز فرنسي جديد، للتأكد من عبارة بنجامين ستورا، التي قال فيها إن بعض السياسيين الفرنسيين توقفت ذاكرتهم في سنة 1962”.
بدورها، اعتبرت صحيفة “الخبر” أنه “في الوقت الذي تسعى باريس إلى غسل أيديها من الصفة الاستعمارية، باعتذارات واعترافات لعدد من شعوب القارة الأفريقية، تكفيرا لذنوبها تجاه أجدادهم الذين تمت إبادتهم واسترقاقهم واستغلالهم في الأشغال الشاقة على مدى عقود، يبدو أن الحنين لتلك الممارسات أقوى من أي محاولة لإيقاظ الضمير، خاصة في ظل التجاذبات المصلحية والانتكاسات التي تكبدتها بعد طردها من عدة بلدان أفريقية كانت ضمن مظلة “فرانس أفريك” الاستعمارية”.
وأشارت إلى أن “المتشبعين بالنزعة الاستعمارية في الإدارة الفرنسية اليمينية المتطرفة يحاولون بشتى الوسائل إحياء وتبني خصال الشياطين القدامى للاستعمار الفرنسي، والاقتباس منها في سياستهم الجديدة اليوم، بوجوه وبأسماء جديدة”. وذكرت أنه “لا أمل في أي توبة محتملة من جانب هؤلاء عن جرائمهم المرتكبة في القرون الماضية، وهي اليوم تدعم صنيعتهم الكيان الإسرائيلي في ممارسة نفس التصرفات، وارتكاب جريمة الإبادة في فلسطين المحتلة”.
ووفق وزير التجارة الفرنسي الذي زار المغرب، فقد تم الرفع الجزئي للحظر الذي يحيط بالمشاركة المالية لفرنسا في المشاريع المغربية بالصحراء الغربية”. وأكد أن الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، عبر شركتها التابعة المخصصة للقطاع الخاص “بروباركو”، يمكنها تمويل مشروع خط الضغط العالي الذي سيصل بين مدينتي الدار البيضاء ومدينة الداخلة في الصحراء الغربية.
ونقلت وكالة “فرانس برس”، عن مصدر دبلوماسي قوله إن “هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها شركة “بروباركو” من تقديم التمويل في هذه المنطقة”،غير أن هذا المصدر شدد على أن ذلك “لا يغير موقف فرنسا في قضية الصحراء الغربية”.