يقال .. " .. المجد لا يُباع ويُشترى ! المجد تصنعه النفوس الشجاعة، وتحميه القلوب المخلصة النبيلة! .. " ..
توقفنا للمقيل ضواحي آغزومال، كنا مررنا قبل ذلك بالقطاعات العملياتية بالنواحي السادسة والخامسة والثانية والرابعة، كنت متعبا جدا فوضعت رأسي على التراب ونمت، كان ذلك خلال أول مرافقة لي للجيش، لم أكن أعرف وقتها وزير الدفاع الشخص الذي يترأس الجولة، كنت فقط منهمكا في عملي أراسل جميع الوسائط يوميا وكنت الصحفي الوحيد الذي يرافق الجيش في تلك الجولة.
لم أكن من النوع الذي يسأل عن المسؤولين دون سبب عملي وجيه، ولا من النوع الذي يتقرب منهم ابدا، لذلك كنت مركزا في عملي وفقط الذي كان يشغل كل وقتي مع السفر المتواصل وبالكاد كنت أجد وقتا للنوم، كان وزير الدفاع الوطني وقتها عبدالله لحبيب البلال يستمع كل ليلة الى المذياع ويتابع نشرات الأخبار.
كان الرجل يعلم صعوبة الإتصال ومراسلة الوسائط الإعلامية من المناطق المحررة مع ضعف تغطية شبكات الانترنت هناك، ولكنه ومع ذلك كان يستمع وعلى غير العادة الى أنشطة الجولة العسكرية كل ليلة في المذياع وتأتيه روابط الأخبار التي أعد عنها على هاتفه بشكل يومي.
عندما توقفنا ذلك اليوم بضواحي أغزومال طلب أن يلتقي بالفريق الإعلامي الذي يرافق الجولة فقيل له أنه لا يوجد فريق وإنما صحفي واحد، فسألهم من هو فقيل له : فلان، قال لهم أريد أن أراه.
كنت أتعمد دائما الإبتعاد بالسيارة التي تقلني عن محيط المسؤول الذي أرافق ليس كرها له او نفورا منه وإنما لأنني لا أحب عادة مجالسة المسؤولين بدون طلب منهم.
المهم .. توجه بنفسه الى حيث تتوقف سيارتنا ووجدني نائما على الأرض، فأخذ الصديق والأخ السالك مسكة الإعلامي العسكري التابع لمحافظة الجيش، أخذ يوقظني فطلب منه الوزير أن يتركني نائما لكن همسات الأصوات كانت قد أيقظتني بالفعل، فتحت عيني وكان الوزير واقفا أمامي مباشرة ببذلته العسكرية، نهضت بسرعة ووضعت القبعة العسكرية على رأسي وألقيت عليه التحية فرد بمثلها وتقدم مني فضمني إليه وهو يسألني عن التعب وشكرني على العمل الجاد وقال لي وهو يبتسم : كنت أعتقد ان الجهد الذي تبذل معنا هو عمل فريق كامل قبل أن يخبروني أنك تعمل وحدك، ثم أضاف هذا الجهد لا يقدر عليه إلا المقاتل، مضيفا : انت من الأن مقاتل بيننا.
كانت هذه تفاصيل اول لقاء بيني والشهيد عبدالله لحبيب، لاحقا ستتحول هذه الصدفة التي جمعتنا الى ثقة كبيرة، لقد فتح لي الرجل ذراعي المؤسسة العسكرية ومنحني شرف مرافقتها في كل الجولات اللاحقة كصحفي وحيد، هذا الشرف منحني فرصة أن راكمت أجمل وأعظم خبرة لدي في مسيرتي الإعلامية المتواضعة.
لقد أحببته بكل صدق كرجل محترم ومخلص ومختلف وراقي، صارم ومتواضع.
*ملاحظة* .. كان معي خلال هذه الجولة تحديدا وقد حضروا لقائي هذا بالوزير اصدقاء من بينهم أخي الغالي السالك مسكة والذي رافقني عن المحافظة السياسية للجيش في كل الجولات ونحن نؤدي عملنا في انسجام تام بعد الوصول الى كل القطاعات العملياتية حيث يستعرض عادة الوزير كتائب جيش التحرير الشعبي الصحراوي، كما كان معنا أيضا صديقي العزيز المقاتل المعروف بالباشا سائق السيارة التي تقلني كما كان معنا في ذلك اليوم عدد من اطارات المؤسسة العسكرية الذين كانوا يرافقون الوزير في ذلك الحين.
*الصورة* .. ألتقطت بشكل عفوي جوان 2019 لحظة أداء العمل وقت وصول الوزير الى القطاع العملياتي الدوݣج المحرر، ويظهر في الصورة الشهيد عبدالله وقائد الناحية الأولى وقتها بيدللا ..
في ليلة الجمعة أتذكر الشهيد عبدالله وكل الشهداء، رحمهم الله جميعا وجزاهم عنا خير الجزاء ..
عبداتي الرشيد