" حرب الشعارات ".
هل قرأ أحدكم كتاب " الهويات القاتلة " , لأمين معلوف ؟
رجاء , حاولوا قراءته .
دخلت اليوم في صراع " ثقافي " و " فكري " مع إبني , الدارس في الصف الثاني إبتدائي .
إبني , بمناسبة و بدون مناسبة , صار يردد " شعارات " أتي بها من " جامعته " , و الطامة الكبري , أن إبني الأصغر , ذو الأربع سنوات , صار يكرر معه هذه " الشعارات " .
كنت و جيلي , نكرر الكثير من " الشعارات " , و يمنعني الحياء من كتابة أي منها هنا .
كنا علي سجيتنا , كنا أبرياء , كنا أشقياء و لكننا كنا نحمل " مشروعآ " .
كانت " شقاوتتا " و براءتنا مغمستين في حليب و زبدة ذاك الزمن الجميل .
نحن أبناء الغربة و اللجؤ , كبرنا في بلاد الغير , و لكن عين الله و عين التنظيم , كانتا ترعانا .
و " رانا ناعتين لمولانا ذاك أللي أجبرنا من " التجييش " و زدل , أبدل و " تراوح "...و الإنتاجين المادي و الأدبي...." .
و لكننا , في صلواتنا... في ركوعنا...في سجودنا.... نشكر أولئك الرجال و النساء , اللذين رافقونا في رحلة العمر هذه .
رحلة , العودة للوطن .
بحنانهم ب " قساوتهم " ب " الإغارة " علينا ساعات الفجر الأولى , للنهوض لخوض غمار الحياة . ملابسنا جاهزة...إفطارنا جاهز....شاحنات نقلنا جاهزة..كل هذا و نحن نيام و لا نعرف متى تم تجهيز كل هذا .
إنها عيون لا تنام....عيون , رجال و نساء لا تنام.....لقد جهزونا للعودة للوطن .
أتذكر بوضوح , حلقات " الذكر " المرتبطة بدستور الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية , المباديء , برنامج العمل الوطني ( الجانب العسكري و الجانب السياسي و الجانب الإجتماعي ) .
كنا نخضع لنظام خلايا ( سياسيآ ) و نظام كتائب ( عسكريآ ) .
كان مسوؤل الغرفة , هو " العريف " و هو " أمين الفرع " و هو المدرب و هو الموجه و هو المراقب و المقرر للجهات " العليا " عن من إستحم نهاية الأسبوع و عن من لم يستحم .
في " غرفتي " المسؤول , كان أكبرنا و لكنه لم يكن أعرفنا .
كنا نخضع له في كل كبيرة و صغيرة في الغرف , و لكن في الفصل الدراسي , كنا نصفي معه كل حساباتنا .
يوم " الحشر " كان مساء الخميس .
ننهض بعد قيلولة قصيرة .
إجتماع " الخلايا " .
نتحلق كصغار الطير حول " العريف " .
يجلس " العريف " مزهوآ بنفسه كالطاووس , " عند من وقفنا , لخميس الفائت....إبراهيم , كمل....العمل على تعميق الوعي السياسي و تقوية التنظيم الجماهيري...يحاول , إبراهيم .
سيدأحمد ,....ميليشيا الشعبية و العمل على الرفع من مستواها العسكري و النظري بإعتبارها إحتياطآ لقواتنا المسلحة...العريف - جزاه الله عنا كل خير , كان رأسو خشين - .
يكلع بوه الطفل ما كد يدخل رأسو شيء....
عريفنا , كان صعب الحفظ , صعب الفهم و لكنه كان شخصآ مسوؤلآ و جديآ و وطنيآ .
كان , يقسو علينا , و لكن في مسابقاتنا مع بقية " الخلايا " و في مبارايات كرة القدم , كان يضحك معنا و يبكي معنا .
أيوا يا أكريدش , رانك عارف شيحانيك إلي ما جيت الأسبوع الجاي , حافظ المباديء ....كليع بوك , هوما راهم ألا 16 مبدأ ( أنا مثلآ , لم أكن متأكدآ بأن عريفنا , يحفظ المباديء عن ظهر قلب ) .
كان " العريف " يبذل جهدآ مضاعفآ لحفظ المباديء و برنامج العمل الوطني و دستور الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية و مؤتمرات الجبهة و تاريخ كل مؤتمر و شعاره و إسم الشهيد الذي سمي بإسمه ( حرف السين مرفوع ) .
لقد حظي جيلي بتربية أيديولوجية و عقائدية و وطنية , قل نظيرها .
لم نكن نملك حلمآ نتيجة صغر سننا , و لكننا كبرنا و كبر معنا الحلم .
كان الحلم , هو الوطن .
عندما كنت في الصف الثاني إبتدائي , في مدينة " كنيفة - الهضبة الخضراء " , كان معي الكثير من أبناء و بنات جيلي .
في ليلة قدومنا لهذه المدينة المضيافة في أمسية من أمسيات عام 1978 , تحلق أطفال الجبهة الشعبية , في مدينة طرابلس , حول المشرف , الذي ترك فينا أطيب الأثر .
إنه الرفيق الحنون و الأب الناصح , المرشد , أبيشا و لد سيدي و لد أباعيا # , جزاه الله عنا خير الجزاء .
جلسنا , بعد نزولنا من حافلات أقلتنا من محطتنا الأولي , " الهاني " لمحطتنا و مكان سكنانا و دراستنا " الهضبة الخضراء " .
جلس معنا أبيشا ولد سيدي ولد أباعيا بعد العشاء.... كان يحمل غيتارآ .
قال و هو يبتسم , هل فيكم من يحفظ بعض الأغاني...رفعت طفلة صغيرة يدها و كانت أسنان اللبن الأمامية قد سقطت حديثآ عندها....في البداية ضحكنا , و لكن عندما غنت بصوت ملائكي...واضح...." يا يوغي يا الثوار في الجبال مساكين....كلهم رافد عيار....موزيطو و السكين...."....ساد صمت القبور .
كان المشرف أبيشا يداعب أوتار الغيتار بهدؤ .
لم أكن أجلس أمامه مباشرة , و لكنني أعتقد بأن دمعته سألت .
كنا فى معظمنا فى أعمار الزهور , و الغالبية العظمى كانت في الفئة العمرية ما بين 9 - 7 سنوات .
لقد كان معنا طفلآ , و هو الآن دبلوماسيآ في إحدي الدول الإفريقية , كان يكرر "....و المغرب داير غفارة , و الصحرا بانيها شارة و إرقب عنها و إحدر..." .
هذا , إذا لم تخن الذاكرة .
لقد كنا خليطآ من الشقاوة و البراءة و أحلامنا , كانت أكبر منا .
" شعاراتنا " كانت كلها مرتبطة بالوطن...كنا بعد العشاء , و نتيجة للحنين , نغني....طيري....طيري , يا حمامة , قيسي المخيم , مع السلامة....
أتذكر , مشرفآ , كان قاسيآ معنا , و لكننا لم نفهم بأنه كان قاسيآ با أبوة و بحنان و بإحساس بالمسؤولية عن جيل ينتظر منه شعبه الكثير , إلا حين خرجت نتائج الإمتحانات و حصل الأطفال الصحراوييون علي المراتب العشرة الأولى علي مستوي المدرسة .
لقد بكي تلك الليلة حتي إبتلت لحيته , من الفرح و الفخر و الكبرياء .
لقد كان يطلب منا المسامحة واحدآ , واحدآ .
لقد سمعت بعد قدومي من روسيا , بأنه , إنتقل إلى دار البقاء .
جزاه الله عنا خير الجزاء .
الآن تعالوا نلقي نظرة , علي سبب كتابة هذا الموضوع .
إنه " شعارات " إبني .
" الشعار " الأول :
" بطاطا مغلية....ما نقراو أعشية " .
" الشعار " الثاني :
بطاطا و الملح...ما نقراو الصبح " .
مصيبة , المصائب , بأن هاذين الشعارين مرتبطين في الجزء الأول منهما بشيء يؤكل و في الجزء الثاني , ب " كره " العملية التربوية و التعليمية .
قلت لإبني , بأن هذه " الشعارات " لا تليق برجل ينتظر منه أن يكون دكتورآ , أو مهندسآ أو مقاتلآ شجاعآ , يوم لكريهة .
كنت أشرح له بهدؤ , بأن يكون حذرآ في علاقته ب " الشعارات " .
أعرف , بأن أبني , ذو ال 8 سنوات , لا يعرف , بأننا , إلي جانب معاركنا على مختلف الجبهات , فإننا نخوض أشرس المعارك , علي مستوي جبهة الوعي و أول ميادين هذه المعارك , هو الشعارات و المصطلحات .
دعوني - و لتقريب الفهم - أضرب لكم مثالآ .
الدولة العميقة في المغرب , تستخدم مصطلح " الساكنة " في علاقتها بأهلنا في المناطق المحتلة و في جنوب المغرب .
في إعتقادكم , لماذا لا تستخدم مصطلح " مواطنينا " في الصحراء أو "أهلنا " في " الأقاليم الجنوبية " ؟
لأن مصطلح " الساكنة " مصطلح بيولوجي و مصطلح المواطن , مصطلح قانوني .
الأول , تترتب عليه حقوق الرعية و الثاني تترتب عنه الحقوق و الواجبات السياسية و المدنية .
و عليه , فنحن في حرب " شعارات " و مصطلحات .
جيلي - علي براءته - , كان جيلآ محصننآ ضد هذين " الفيروسين " , و لكن أجيال هذا اليوم , و علي برأءتها , إلي ما " أشتمرنا " معاها , ستبقي فكريآ و عقائديآ و سياسيآ علي مستوي " بطاطا و الملح....ما نقراو الصبح..." .
كارثة , يا جماعة , بكل المقاييس .
قلت لإبني , في إحدي جلسات الشاي , تعالي , يا إبني , تخترع معآ " شعارآ " جديدآ .
قال , ايوا....
قلت له " شعار " هذا الأسبوع , سيكون "....كيسو....شن....طن...لا مناص من الرجوع للوطن " .
قلت له , علم رفاقك في الصف هذا " الشعار " و شرحت له , بأن له وطن ينتظره و بأن دار " اللجؤ " دار عبور و ليست دار مقر أو مستقر .
بعد أسبوع , سألته , عن الوجبة التي قدموا له في فترة " الراحة " .
قال " لخبز و الليمون " .
قلت له , " شعار " الأسبوع المقبل , يا إبني , سيكون "....الله....الله....لخبز و الليمون....لا مناص من الرجوع للعيون..." .
لقد تعهد بأن يعلمه لرفاقه في الصف .
لقد قلت له , بأنني ذات مساء من عام 1976 , تم طردي و عائلتي و الكثيرون من أبناء شعبي , تم طردنا من أرضنا , من قبل الغزاة المغاربة , و بأننا ننتظر ساعة الرجوع .
بحثت في " اليوتوب " عن أغنية , غناها أحد أبناء جيلي , الفنان عالي , الذي غناها في " مهرجان الشبيبة " بولاية أوسرد , صائفة 1986 أو 1987 , إذا كانت ذاكرتي بخير و وجدتها....
لقد وقف عالي , ممتشقآ غيتارته و غني...." سنعود للديار , كلما نادت الأوطان....شدوا الرحل....سنعود " .
لقد سألتكم في بداية , هذه العجالة , هل قرأ أحدكم كتاب " الهويات القاتلة " , لأمين معلوف .
الآن أنصحكم بقراءته .
" الهويات القاتلة " , نحن من نقوم بتربيتها .
لاحظوا , معي بأنني في " الشعارات " التي أنتجت و إبني , تركت لهذا الجيل ذلك الجزء المتعلق , ب " كيسو و شن....طن....و الخبز و الليمون " .
لا يمكن تجريدهم من كل " هويتهم " , و لكن علينا محاولة تطعيمها بهويات ليست " قاتلة " .
إنكم , يا جماعة الخير , تنامون و تستيقيظون مع مشاريع " هويات قاتلة " .
الدكتور , بيبات أبحمد .
# إذا كان , أحدكم يعرف أين أبيشا ولد سيدي ولد أباعيا , رجائي , أن تبلغوه سلامي و سلام جيل يذكره بخير .
* لقد كبر الحلم و كبرت الطفلة غالية , التي غنت ذات مساء ....يا يوغي يا الثوار فالجبال مساكين...كلهم رافد عيار...موزيطو و السكين...