إكمالآ , ل " الهمسات " , الرمضانية , فإنني الليلة , أقترح عليكم , " همسة " , دخلت التاريخ الروسي الحديث , تحت إسم " القنديل " .
" إلي عاد زين عندك , ولدك ما يحكمو البرد في الشتاء , لبسو من لخريف " .
في ليلة 15 / 14 نوفمبر من عام 1965 , كانت المدمرة الحربية الروسية " العادل " , تقوم بتدريبات بحرية عسكرية سوفيتية - مصرية مشتركة .
كان " البحار " ذو الواحد و العشرين ربيعآ و ثلاثة ايام , " أوليغ تومانوف " , ينظر لساعته بقلق بالغ .
لقد كان " أوليغ " مكلفآ بمهمة من طرف المخابرات السوفيتية و كانت مهمته في غاية الخطورة و في غاية السرية .
لم يكن , أحدآ على ظهر " المدمرة " يعلم بأن " البحار " أوليغ , بعد شهور , سيبدأ في تغيير قواعد اللعبة الإعلامية و الدعائية بين الإتحاد السوفيتي و الغرب الجماعي .
البحارة لا يعلمون و قائد " المدمرة " لا يعلم و ممثل المخابرات السوفيتية علي " المدمرة " لا يعلم , بأنه علي مدمرتهم يوجد شابآ , سيدخل تاريخ حرب العقول الأعصاب و الهمم من بابه الواسع .
إنتهت " المناورة " الليلية بين البحريتيين , بعد منتصف الليل بدقائق .
كان , " أوليغ " , يعرف بأن مهمته , تبدأ ب " فراره " من المدمرة " العادل " و نزوله علي الشواطئ الليبية .
تحركت المدمرة " للنوم " , في المياه الدولية بين مصر و ليبيا .
" أوليغ " , مستلقي في غرفته و ينظر للظلام , في الظلام .
كانت عقارب الساعة تشير للساعة الثانية إلا نصفآ بعد منتصف الليل .
نصف ساعة , يفصل " أوليغ " , عن العبور من شاطئ ل " الحياة " إلي شاطئ آخر .
إنتهت مرحلة طفح الشباب....و بدأت مرحلة " حرق " الأعصاب و المسافات .
كان " أوليغ " , يعرف , بأن المخابرات السوفيتية , ستحقق مع والديه و مع أخيه و مع أخته و مع أصدقائه للتغطية علي فراره .
كان , يعرف بأن " فراره " , لن يمر , بدون أعراض جانبيه , لذويه و لأهله , و لكن قصة " فراره " تقضي , بأن تظهر هناك بعض " الأضرار الجانبية " , لأن أسطورة " الفرار " , سيتم فحصها و التأكد من صدقها و مصداقيتها علي الطرف الآخر من " النهر " و بكل دقة و تتبع لكل التفاصيل .
إننا في حرب العقول , مرة أخري .
قبل يومين , كانت " الهمسة " عن " آلن تيورنغ " , و الليلة , عن , " أوليغ تومانوف " .
حرب , العقول و الأعصاب و الزمن تتواصل .
دقت ساعة الحقيقة .
نهض " أوليغ " و إتجه إلي الزاوية " الميتة " من المدمرة و كان يحمل على ظهره , " متشيلة " صغيرة , تحمل " قرعة " , من الماء و إبر ( في مذكرات " أوليغ " , ألتي ظهرت للوجود تحت عنوان " الطريق , الطويل للوطن " , قال , أوليغ , بأنه أخذ الإبر معه , للوخز , في حالة تصلب أطرافه من شدة برودة المياه , و قال , الحمدلله , كانت المياه , دافئة ليلتها....) .
جهز " أوليغ " حبلآ مسبقآ , بعقد خلال كل نصف متر.....ترك الخوف وراءه و أخذ علبة سجائر في يده , للتمويه , بأنه خرج للتدخين .
عقارب الساعة تشير للساعة الثانية ليلآ .
نزل " أوليغ " و كان يعرف بأنه يجب أن يسبح ميلآ بحريآ , حتي يصل لشواطئ مدينة " السلوم " الليبية .
نزل....سبح بهدؤ....وصل لشواطئ " السلوم " .
حث الخطي , حتي يتأكد بأنه إبتعد عن الحدود المصرية .
بعدما تأكد , بأنه دخل الأراضي الليبية....إستلقي و نام .
لقد غلبه التعب .
إشتيقظ " أوليغ " , و كانت الشمس تسطع في كبد السماء .
قال في مذكراته..." نشفت ملابسي....حفرت , للأشياء , ألتي كنت أعتقد بأنها منقذي في البحر و قمت بردمها.....وحسب , أساتذتي في المخابرات السوفيتية , فإنني بعد ساعتين من المشي , سأكون في أول مدينة ليبية .
قبل نزوله في الماء , كان " أوليغ , قبل ثلاثة أيام , قد إحتفل بعيد ميلاده الواحد و العشرين .
قال " أوليغ " , لقد عرفت " جغرافيا " المكان , كأنني ولدت هنا و كبرت هنا و عشت هنا .
حينها تأكدت , بأن المسؤولون عني , في قسم المخابرات الخارجية السوفيتية , كانوا مرجعية في جغرافيا المنطقة و في تاريخها....لم يتركوا , أي شيء للصدف .
مشيت و مشيت....رأيت " بلاكة " , مكتوب عليها بالعربية و بالإنجليزية " طبرق - 100 كلم " . تأكدت بأنني علي الطريق الصحيح .
لقد كرر أساتذتي في المخابرات السوفيتية علي مسامعي , إسم هذه المدينة كثيرآ .
مرت بي , سيارة " لاندروفير " , أشرت لها و حملتني , لأول " كنترول " ليبي .
كان فيه ثلاثة عسكريين .
سألوني , باللغة الإنجليزية , من أنت ؟
قلت لهم , أنا مواطن سوفيتي , بحارآ , تعبت من جور السوفيت و من ظلمهم قررت الفرار من المدمرة " العادل " , الموجودة الآن في المياه الدولية و أريد طلب اللجوء السياسي في بريطانيا .
قالوا , هل تريد الرجوع لمصر ؟
قلت , كل شيء , إلا مصر .
أحسنوا وفادتي و بعد يومين سلموني للإنجليز .
حقق معي الليبيون و الإنجليز و الأمريكييون .
" أغفلت مخي , على نفس القصة " .
بحثوا عن المتناقضات...بحثوا , عن التفاصيل...سألوني عن أسماء , الأطفال اللذين كانوا معي في القسم الأول و الثاني إبتدائي....أسماء الشوارع...مع من درست....كانت " الحبكة " السوفيتية , مخيطة مليح....البرد , ما يجبر أمنين يدخل....و أنا حفظت درسي جيدآ .
من مفارقات التاريخ و صدفه , بعد إن تفطن جماعة , المدمرة " العادل " لفراري , كتبوا مذكرة طلب تسليم من الحكومة الليبية , قالوا فيها بأنني قبل " الفرار " قتلت " بحارآ , سوفيتآ .
لقد خدموني من حيث لا يدروا .
و أنا متأكد , بأنهم لم يكونوا على علم بمهمتي .
علم الإنجليز و الأمريكييون بخبر مذكرة التسليم , و أخذوني لمكان سري , لا أعرف مكانه حتي الآن .
بعدها , إقلعت بي طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية و حطت بنا في القاعدة الجوية الأمريكية في " فرانكفورت " .
كثر المحققون و كثرت الأسئلة....الإنجليز و الأمريكييون و ألألمان .
ثمانية أشهر من الإستجواب و التحقيق المرهق .
تأكدوا بأنني " نظيفآ " و بأنني برئ براءة الذئب من دم يوسف , و بأنني لا أريد من هذه الحياة , سوي شرب كوكاكولا و لبس " الدجين " و إستنشاق هواء الغرب " العليل " .
قرروا تعليمي اللغة الألمانية .
تعلمتها بسرعة و خصصوا لي سكننآ و راتبآ شهريآ , قال , " أوليغ " في مذكراته بأنه يكفي لشراء 135 زجاجة ويسكي و رحلة لشخصين بالقطار من فرانكفورت لبرلين " آلي - ريتور " .
بعد إتقاني للغة الألمانية , بحثوا لي عن عمل .
خدمني القدر مرة أخري و تم تعييني في " راديو ليبرتي " , الذي كان يقود حربآ دعائية ضد الإتحاد السوفيتي , لأنهم , قرروا , بأنني شخصآ , مثقفآ و بأنني يمكن أن أخدمهم في حربهم الدعائية مع السوفييت .
" إذا هبت رياحك فإغتنمها , فعقبي , كل خافقة سكون " .
عملت , حتي صرت نائبآ للمدير و خصص ( بضم حرف الخاء ) , خصص لي برامجآ يدعي " أنت تسأل و الحرية تجيب " .
كان يبث خصيصآ للإتحاد السوفيتي و لدول المعسكر الشرقي .
كنت , اول من أعلن عن دخول الدبابات السوفيتية للعاصمة التشيكوسلافية سنة 1968 فيما يعرف ب " ربيع براغ " .
بعد خمس , سنوات , من العمل في راديو " ليبرتي " , كنت جالسآ فى مقهى و فى لحظة سهو من التاريخ و من رواد المقهى , مر بي شابآ و طلب مني علبة الكبريت للتدخين .
قدمتها له , و حين أعادها , إلي , أعاد لي مكانها علبة أخري .
سارعت الخطي لمقر سكناي .
فتحت العلبة و وجدت فيها عبارة و باللغة الروسية...." لقد بعثك الوطن....وجدك الوطن...يحييك الوطن " .
و بدأ الجزء المتعلق , بتهديم و تحطيم راديو " ليبرتي " من الداخل .
من الروس , رجال صدقوا .
في سنة 1986, قامت المخابرات السوفيتية , بتهريب " أوليغ تومانوف " , عن طريق نفق مظلم , يربط برلين الغربية ببرلين الشرقية , بعد إن فر إلي الغرب , أحد اللذين كانوا مسؤولين عنه في حرب العقول و الأعصاب و الزمن .
من الروس , رجال باعوا الوطن .
" أوليغ تومانوف " , الآن تم تكليفه من المخابرات الروسية بقراءة محاضرات للطلبة و للخريجين الروس , اللذين سيكلفون بمهام في الخارج .
لا يمكن لدولة أو لحركة تحرير , أن تدخل عالم اليوم بدون " أوليغ تومانوف " و أمثاله .
الأمهات , الصحراويات , أنجبن الكثيرون من " أوليغ تومانوف " .
قلت في " همسة " أول أمس , بأن الأمهات الصحراويات , أنجبن الكثيرون من " آلن تيورينغ " , و اليوم إنضم إليه " أوليغ تومانوف " .
لا يجب علينا , تضييع هذا الرأسمال البشري الثمين .
لقد تعبت جبهة " البوليزاريو " في تربيته و في تثقيفيه و يجب عليها اليوم إستغلاله .
أعتقد , بأن شباب الثورة , مستعدآ اليوم لتحمل مسؤولياته كاملة , بما فيها , السباحة في مياه المحيط الباردة , للوصول إلى شاطئ من شواطئ أرضنا المحتلة و في " متشيلته " قرعة ماء و إبر للوخز , في حال تجمد الأطراف و " أشياء " أخري سيحتاجها و يجب ان لا تتبلل .
الرطوبة , تقلل من فعاليتها .
د : بيبات أبحمد .