" حرب العقول و حرب الأعصاب و حرب الزمن "!
" همسة " اليوم , مرتبطة بحرب , نراها و لا نراها .
في مكان ما , في لندن , هادئ و بارد , هدؤ و برودة الإنجليز .
إنه قصر حديقة بلتشلي بارك ( Bletchley Park ) , وقف رجل ببن العقدين الثالث و الرابع من عمره , بين مجموعة من الرجال , تم جمعهم خصيصًآ لفك شيفرة الآلة الألمانية الرهيبة للتشفير , التجاري و العسكري و الدبلوماسي أنيجما ( Enigma Machine ) .
الرجل , كان عالم الرياضيات و الرأئد في علوم الكمبيوتر و الحوسبة النظرية " آلن تيورينغ " - ( Alan Turing ) .
كان " تيورينغ , يعرف جسامة المهمة الملقاة على عاتقه و علي عاتق رفاقه .
وقف فيهم مخاطبآ و قال..." يا رجال , لقد إختاركم القدر و حكومة صاحب الجلالة , للمشاركة بعقولكم في الحرب....للألمان عقول و للإنجليز عقول...رجالنا في الجبهة و مع الكثير من البرد و الحر يبدعون...نحن كذلك , مع القليل من البرد و الكثير من القهوة , يجب أن نبدع....".
كان , رفاق تيورنغ ينصتون له في صمت .
أضاف تيورنغ...."...كان هناك رجلان في غابة...و فجأة , خرج لهما دب في غاية الجوع....أحدهما , بدأ في الصلاة و الثاني بدأ في ربط خيط حذائه...قال الأول , لماذا تربط خيط حذائك....قال الثاني , حتي أتمكن من الهرب....الدب , يريد أحدنا فقط...." .
فهم رفاق تورنغ قصده....ضحكوا....و جلسوا للعمل .
الوقت , لا يسمح بالكثير من الضحك .
القليل , عن آلة " أنيجما " .
هي جهاز تشفير , طور و أستخدم في أوائل القرن العشرين , إلي منتصفه , لحماية الإتصالات التجارية و الدبلوماسية و العسكرية , و قد إستخدمه الألمان في الحرب العالمية الثانية , و شكل " عقدة " تقنية و عملية و أمنية و عسكرية للحلفاء .
ولد آلن ماتسون تيورينغ في 23 يونيو 1912 # , درس بالولايات المتحدة الأمريكية و بعد حصوله على درجة الدكتوراه , رجع لمسقط رأسه و لجامعته " كامبريدج " .
في سنة 1939 طلب منه ( بضم حرف الطاء ) , طلب منه , الإنضمام لمنظمة بريطانية مختصة في كسر الرموز و الشيفرات .
عمل تيورينغ و زملائه كخلية نحل , رابطين ليلهم بنهارهم .
و في غضون أسابيع من وصوله ل " بلتشلي بارك " , نجح تيورينغ و زملائه في تطوير آلة كهروميكانيكية , أطلق عليها , إسم " بومب " - القنبلة - و التي إستطاع بفضلها الإنجليز فك شيفرة آلة " الدمار " العسكري و التقني و الأمني و العلمي الألمانية " أنيجما " .
إنعكس , إختراع آلن و رفاقه , مباشرة علي نتائج الحرب فى كل جبهات إحتكاك الانجليز و ألألمان .
كان لإكتشاف " آلن " و رفاقه , علاقة مباشرة بالنصر الذي حققه الحلفاء في الحرب العالمية الثانية .
في كل الحروب و علي مدار التاريخ , كانت هناك حربان .
حرب أسلحة و حرب عقول .
سؤال , ما مدى , إنخراطنا نحن في جبهة " البوليزاريو " في حرب العقول و صراع الأدمغة....؟
في حربنا " الأولي " , كانت لجبهات الصراع مطالب أخرى و وسائل أخرى و رجال آخرون .
حرب , اليوم , هي حرب المسيرات و الصواريخ و أجهزة التنصت و القدرة على فك " شيفرات " العدو .
و علي فكرة , عبارة " الشيفرة " هنا , لا تعبر عني مصطلح تقني و فني فقط .
فللعدو " شيفرات " , إقتصادية و إجتماعية و سياسية و أمنية يجب فكها كلها .
و إذا , أردنا " عين الحك " , فأهم " شيفرة في كل الحروب و في كل الأزمنة , هي شيفرة , " الأمن المعنوي " للشعوب .
هل " شيفرة " أمننا المعنوي عصية علي الكسر....هل قمنا بتحصينها....هل , نعرف حدودها , و خصوصآ , حدها الأمني...هل ندرك , قدرة العدو و نواياه فيما يخص " أتكار " منظومتنا الإجتماعية فيما بينها...؟
مهما كانت قوتك و قوة شكيمتك في جبهات القتال , فإن جبهتك الداخلية , إن لم تكن محصنة , فأنت " تكرلج " البحر , حسب تعبير إخواننا الأردنيين .
جبهة البوليزاريو , عمرها الآن 50 سنة و نيف و هى أكبر عمريآ من " حزب الله " , تأسس سنة 1982 و أكبر من حركة " حماس " , تأسست سنة 1987 , و أكبر من حركة " أنصار الله الحوثي" , تأسست , سنة 1991 .
مع , الإحتفاظ - بفارق التاريخ و ب " حروب " الجغرافيا - , هل يمكن مثلآ , طرح سؤال - فيه الكثير من البراءة - , هل كان يمكن لجبهة " البوليزاريو " , أن تدخل باب التصنيع " المحلي" و تحقيق بعض " الإكتفاء الذاتي " , في بعض متطلبات حربنا و بعيدآ عن..." إلاه....إلاه...." .
أنا , أدرك تمام الإدراك , بأن هناك الكثير من المحاذير و بأن هناك الكثير من العقبات و الكثير من الصعوبات و الكثير من الأسئلة المعلقة , يغير - قيسوني علي عقلي - .
حركة " حماس " في " طوفان الأقصى " , تحكمت فى كل كاميرات " غلاف غزة " و حولتها إلي عميان - تنقاد .
" حزب الله " , يشوش , علي كل شمال فلسطين المحتلة و صواريخه تطال كل فلسطين التاريخية .
حركة " أنصار الله " الحوثي , أصابت في مقتل الملاحة الدولية في البحر الأحمر و في " باب المندب " و هي الآن تتحكم في 12 % من التجارة الدولية , و إنه رقم لو كنتم تعلمون , عظيم .
نحن , و - أنا أولهم - في إنتظار ظهور قصر , حديقة " بلتشلي بارك " - ( Bletchley Park ) , في " الرابوني " أو في إحدي ضواحيه , لأن الأمهات الصحراويات أنجبن الكثيرين من " آلن تيورينغ " و لا ينتظرون سوي القليل من " الكوراج " و الكثير من الإرادة السياسية .
يغزي , أنا و الله , ألا عندي عن غلبني رمضان .
# بمناسبة مرور 100 عام علي ميلاد " تيورينغ " إعتذرت الحكومة لبريطانية من " آلن " و كرمته و ذلك بوضع صورته على عملة ورقية من فئة 50 جنيهآ , لأنها لم تفهم حينها مدى تأثير إختراعه علي سير الحرب و علي نتائجها.
عمل أسبوعين و نصف و 8 رجال مؤمنين بقضية شعبهم , غير مسار التاريخ البشري و مجراه و إلي الأبد .
الآن مرت سنتان و نصف , و التاريخ الصحراوي , جالس تحت ظل طلحة , ينظر في الأفق و ينتظر من يغيره .
رجلان , أحدهما , مسوؤل عن خلق ظروف الإبداع والإبتكار و الإنتاج لتيورينغ .
" تورينغ " موجود و جاهز و صائم .
د : بيبات أبحمد .