القائمة الرئيسية

الصفحات

تقدير موقف المركز الصحراوي للدراسات الإستراتيجية حول زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية السيد ستيفان ديميستورا إلى جنوب افريقيا



جاءت زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية السيد ستيفان ديميستورا إلى جنوب افريقيا، في إطار المساعي التي تبذلها الامم المتحدة للخروج من وضعية الجمود الراهنة في الصحراء الغربية، والتي يشكل حلها أحد المفاتيح للاستقرار في منطقة شمال افريقيا، وقد يشكل واقعا جيدا لدولها باعتبارها تشكل عائقا كبيرا في خلق علاقات جيدة بينهم.
أولا: ردود فعل الطرفين والامم المتحدة   على زيارة ديميستورا لجنوب افريقيا.
1. رد جبهة البوليساريو.
صرح ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو الدكتور سيدي محمد عمار، إن زيارة ديميستورا إلى جنوب افريقيا تندرج في نطاق ولايته. ورحبت الجبهة باختيار المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للذهاب إلى بريتوريا.
وأكد الدكتور سيدي محمد عمار أن دفاع جنوب أفريقيا الثابت عن تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، وتضامنها القوي مع الشعب الصحراوي دليل آخر على التزامها القوي بحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير والحرية طبقاً لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة.

2. رد الفعل المغربي
الرد المغرب كان متناقضا فيما بينه، فقد أعلن السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، رفض الرباط للزيارة، مؤكداً أن بلاده حذرت بوضوح من تداعياتها على العملية السياسية في المنطقة.
وقال، إن الزيارة أثارت أكثر من علامة استفهام في المغرب حول دواعيها، إنه "لم تتم في أي لحظة استشارة المغرب أو حتى إبلاغه"، مشيراً إلى أنه "على العكس من ذلك، بمجرد ما علمنا بمشروع هذه الزيارة، قبل عدة أسابيع، أعربنا مباشرة للسيد دي ميستورا، وكذلك للأمانة العامة للأمم المتحدة، عن اعتراض المغرب القاطع على هذه الزيارة، وكذا رفضنا لأي تفاعل مع بريتوريا بشأن قضية الصحراء المغربية، وقدمنا الأسباب المشروعة والموضوعية".
وتابع "آمل ألا يتعلق الأمر بتحدٍّ للمغرب من طرف السيد دي ميستورا، بل بمجرد سوء تقدير بسيط للموقف الحقيقي لجنوب أفريقيا. في كل الأحوال، قام المغرب بتحذيره، وبوضوح، من عواقب زيارته على العملية السياسية".
وعن الأسباب التي حدت المغرب إلى الاعتراض على زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا، قال هلال إن "أسس مهمة المبعوث الشخصي، في رسالة تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، تنص على أنه سيتعين عليه العمل حصراً مع الأطراف الأربعة المعنية بالعملية السياسية، وفي إطار قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2007، ومن بينها القرار 2703 بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهي القرارات التي لا تشير البتة إلى جنوب أفريقيا، فبالأحرى أي دور أو مساهمة مزعومة لهذا البلد في العملية السياسية.
بينما قال وزير  الخارجية المغربي ناصر بوريطة  أن “بريتوريا لا يجب أن تأخذ أكثر من حجمها، فمنذ عشرين سنة فشلت في التأثير في الملف، ومن جهة أخرى في عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي”، لافتا إلى أن “دي ميستورا ولو يذهب حتى إلى المريخ فجنوب إفريقيا لا يمكن أن تؤثر في الملف ،جنوب إفريقيا فاعل هامشي في ملف الصحراء، والدينامية التي يعرفها الملف متواصلة كما أشرت، في سياق استمرار دول فاعلة في أوروبا وأسيا والمنطقة العربية وإفريقيا في دعم سيادة المملكة .
3. رد فعل الامم المتحدة.
 أوضح ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في اللقاء الصحافي اليومي المنعقد الأربعاء الماضي، أن دي ميستورا "يذهب للتحدث مع الأطراف التي يعتقد أنه يريد نقاش الملف معها، فهذا جزء من ولايته"، مؤكداً أن من حقه التشاور في الملف مع الدول المعنية -الدول الأعضاء- وكذلك الدول غير المعنية، وذلك "بهدف الدفع بالعملية الأممية".
وتعيد زيارة دي ميستورا لجنوب أفريقيا إلى الأذهان ما عاشته العلاقة بين المغرب والأمم المتحدة في مارس/ 2016 من أزمة بعد اتهام الرباط للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون بـ"التخلي عن حياده وموضوعيته" خلال زيارته للمنطقة، وبالوقوع في "انزلاقات لفظية"، ولا سيما وصفه الصحراء بأنها "أرض محتلة".
نظرًا لأهمية قضية الصحراء الغربية، وحرصًا على إنهاء النزاع وفقًا لقرارات ومواثيق الأمم المتحدة، شرعت هذه الأخيرة ابتداءً من 20 مارس 1986 في معالجة هذا النزاع بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية.
وقد وافقت جبهة البوليساريو والمملكة المغربية على مخطط سنة 1988. وفي 27 يونيو 1990 تبنّى مجلس الأمن القرار 658 الذي يزكّي تفاصيل التسوية السلمية للأمم المتحدة لتطبيق الاستفتاء. وفي 29 أبريل 1991 أصدر مجلس الأمن القرار الذي بموجبه تمَّ تشكيل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو).

لقد أكدت كل قرارات الأمم المتحدة في كل دوراتها منذ قرار إلزام إسبانيا بمنح الاستقلال للصحراء الغربية في 1965 إلى آخر دورة لها في عام 2013 على حقِّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله، هذا هو الوضع القانوني والدولي بالنسبة للصحراء الغربية في المجتمع الدولي .لكن في السنوات الاخيرة بدأت بعض الدول الحليفة للمغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية  ترى أن القانون الدولي تتجاوزه الحسابات الجيو-سياسية ومنطق المحاور، وسعت الى تعبئة نفوذها للتأثير على بعض الدول من أجل تغيير موقفها من القضية الصحراوية، والعمل بشكل متوازي تصفية القضية الصحراوية في شمال إفريقيا وتصفية القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط، عبر الاعتراف بمغربية الصحراء وفتح قنصليات بالمدن المحتلة من الصحراء الغربية، وفرض الأمر الواقع على الشعب الصحراوي ،  والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والتنكر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
كل ما قامت به الولايات المتحدة كان مخيبا للوعود التي قدمها المجتمع الدولي للشعب الصحراوي، وأثبت أن شعارات السلام والأمن والاستقرار في المنطقة  ماهي إلا حبر على ورق، وكل ما يخطط له ويراد منه هو تصفية القضية الصحراوية بأكملها وتقسيم شعبها بين بلدان المنطقة والسيطرة على أرضه، ولم يكن 13 نوفمبر 2020 الذي خرقت فيه القوات المغربية وقف اطلاق النار سوى الاعلان الصريح من طرف جبهة البوليساريو  عن رفض المتاجرة والمقايضة السياسية بقضية الصحراء الغربية، وأن المغرب دولة لا تسعى للسلام وأنها  لا تؤمن بشيء عدا الهيمنة والتوسع، ستظل على موقفها المتعنت الذي لا يعير أي اهتمام للانتهاك المطلق للقانون الدولي وللشرعية الدولية، ما دام يحظى بدعم من الولايات المتحدة الامريكية وبتمويل من دول الخليج، ولولا الضوء الاخضر الامريكي لما تطاول المغرب على الامم المتحدة واحتقر مسؤوليها وعمل على تحديد الإطار الذي يمكن أن يتحركوا فيه.
إن استراتيجية الاحتلال المغربي هي رفض السلام والحل الديمقراطي وقرارات الامم المتحدة، المتمسكة بتقرير المصير مع ادعائه غير ذلك، وأما إستراتيجية جبهة البوليساريو فتقوم على البحث عن السلام من دون ادعاء يناقض ذلك، فيما تتمثل استراتيجية الامم المتحدة في التراخي أمام التعنت المغربي، وعدم ردعه بشكل لا يجعله فقط يتنصل من التزاماته الدولية ومن القانون الدولي بل يعلو فوقه.

ثانيا: لماذا القلق المغربي من زيارة ديميستورا لجنوب إفريقيا؟ 
منذ بداية الغزو المغربي للصحراء الغربية يعمل على جعل الجزائر طرفا رئيسيا في الصراع، وما شجعه في ذلك هو لعبة الطاولة المستديرة التي كانت خطأ سياسي فادح استغله المغرب لتثبيت أهدافه وجعل الجزائر في قفص اتهامها بالعرقلة، ولولا الصحوة في السنوات الاخيرة التي اقبرت " الطاولة المستديرة " بعد أن اعتقد المغرب أن الجزائر لن تقوى على تحمل الضغط الدولي وستجد نفسها مجبرة على الدخول في مفاوضات نيابة عن الشعب الصحراوي، ولم يلتقط الاشارات المتعددة من جنوب افريقيا رغم محاولاته المتكررة في تحييدها، وأصبحت جنوب افريقيا مصدر ازعاج كبير للمغرب أحبط العديد من الرهانات لديه، وتلوح نذر أزمة بين المغرب وجنوب افريقيا.
ما هو المطلوب من جبهة البوليساريو إزاء أزمة المغرب والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديميستورا؟
إن زيارة ديميستورا إلى جنوب افريقيا أسقطت مجموعة من السرديات المغربية، وعلى رأسها النزاع الإقليمي المفتعل - الدعم الدولي للمقترح المغربي الحكم الذاتي - السيادة على الوحدة الترابية - ( الحياد ) الورقة التي يرفعها المغرب  ويوظفها  في وجه كل من ينتقده أو ينتقد سياسته أو أنه لا يتماشى مع رغباته بمن فيهم المسؤولين الأمميين، وأسقطت سردية دعم المغرب لجهود الامم المتحدة ومبعوثيها .
كما اسقطت  الحملة المغربية  المسعورة على زيارة ديميستورا لجنوب افريقيا المزاعم المغربية التي تدعي أنه يجب حل قضية الصحراء الغربية في إطار الامم المتحدة لكن على المقاس، وعكست ردود فعل الساسة المغاربة والإعلام الموجه، وأكدت مرة أخرى أن المغرب لا يريد الحل بقدر ما يطمح إلى تصفية القضية الصحراوية بالرهان على عامل الوقت، وجعلها خاضعة للنقاش الموسمي والروتيني ولا تحظى بأي أهمية رغم التنازلات الكبيرة  التي قدمتها جبهة البوليساريو،  والمرونة التي أظهرتها خلال  ثلاثة عقود من السلام وتواجد الامم المتحدة بإقليم الصحراء الغربية، يقابله تعنت مغربي وغطرسة لفرض الأمر الواقع على الشعب الصحراوي وعلى المجتمع الدولي، بحيث أنه ومنذ سنوات لم يكتفي بطرد ومنع زيارة المنظمات الحقوقية والمراقبين الدوليين القادمين إلى الصحراء الغربية، بل منذ سنوات يتحفظ على زيارة المفوضية السامية لحقوق الانسان والمقررين الخاصين الأمميين، ولم يقبل حتى نقاش الاتحاد الافريقي للحل رغم أن الجمهورية الصحراوية والمغرب عضوين بالاتحاد .
وعلى جبهة البوليساريو ألا تبالغ في الاعلان عن دعمها للمبعوث الشخصي ديميستورا، حتى وإن كان نزيها وسياسيا محنكا، يبقى أنه سيخضع لقواعد اللعبة، وفي أحسن الاحوال يستقيل دون أن يحدد ماهي الأسباب التي دفعته لذلك.
خاتمة
تعتبر قضية الصحراء الغربية من بين القضايا العالقة الباحثة عن حلٍّ دولي عادل يتوافق مع ما هو منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة، حسب ما نصت عليه قرارت مجلس الأمن أنه حل عادل ودائم للصراع يضمن حق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، ولكن كيف يكون عادلًا ودائمًا والمغرب وحلفاؤه يدفعون إلى تحديد سقفه في الحكم الذاتي، وهو ما  يتعارض مع المواثيق والقرارات الدولية ؟

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...