من فوسبوكراع الى تافودارت....
سيداحمد احنيني احمد صالح من مواليد مدينة العيون، في العاشر من مارس 1954، مقاتل صحراوي من مجموعة الست والستين للاسرى الصحراويين لدى الاحتلال المغربي، في الحرب الصحراوية الأولى، التي دامت ستة عشر سنة، والذين تم تحريرهم في الحادي و الثلاثين من أكتوبر 1996.
شب المقاتل سيداحمد في مدينة العيون، التي عشقها واحبها كثيرا، وقضى فيها أجمل أيام شبابه، وأحلى لحظات عمره، رفقة أصدقائه ورفاقه، وظل كذلك حتى دخول الإحتلال المغربي.
درس في مدرسة كانت تقع شمال سيدي بويا، على الضفة الشمالية لوادي الساقية الحمراء، وحينها كانت السلطات الاستعمارية الإسبانية لم تستكمل بعد بناء مدرسة السلام (la paz)، كان ذلك حوالي سنة 1966، بعد استكمال المدرسة الجديدة، كان ضمن الدفعة الاولى التي درست بها، حتى سنة 1972 حيث توقف عن الدراسة.
إنتقل سيداحمد احنيني الى العمل في مطار المدينة، ثم التحق بشركة فوسبوكراع، و استمر بالعمل هناك حتى تاريخ دخول الإحتلال المغربي نوفمبر 1975، و بدايات الانطلاقة.
إنخرط الشاب سيداحمد احنيني في التنظيم السياسي لجبهة البوليساريو في منتصف 1974، حيث كان أحد أعضاء خلية الشمس.
عندما سألته عن سبب التسمية، قال: لم أعد اتذكر، ولكنني اظن اننا نحن اعضاء الخلية، هم من أطلق هذا الاسم على الخلية تيمنا بالحرية، كنا نقوم بالكثير من الاعمال، مثل تنظيم المظاهرات ضد المستعمر الإسباني، و الكتابة على الجدران، و توزيع المناشير و تعبئة الجماهير الصحراوية، لأنه في ذلك الوقت كانت الثورة لازالت في بداياتها، كانت مهمتنا توضيح ماهية الثورة، ولماذا إنطلقت، وماهي أهدافها، ونقدم شرح لمبادئ الجبهة، هذا الى جانب عملنا اليومي كعمال من أجل توفير القوت اليومي لعائلاتنا"
كنا نواصل عملنا في شركة فوسبوكراع، حتى بدأت الانطلاقات اواخر 1975، وحينها قررت ضمن مجموعة من العمال، ان نلتحق بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي، وكانت جبهة البوليساريو تمنع انضمام المدنيين الى جيش التحرير انذاك، اي من لم يعمل في صفوف الجيش الإسباني لا يمكنه الإنضمام للجناح العسكري للجبهة.
و سبب ذلك، هو الحفاظ على بقاء المدنيين في المدن، و القرى الصحراوية حتى لا تخلو القرى والمداشر من سكانها، و تبقى ارض بدون سكان.
كنا مجموعة من الشباب، لم نقتنع بتلك الفكرة، قررنا الالتحاق بالجيش، لاننا كنّا متحمسين جدا، وهمنا هو محاربة العدو والتصدي له، ومن أجل أن نعيش نشوة النضال، ونستنشق رائحة الحرية، ونرتقي بشعبنا الى الاستقلال وطرد الإحتلال، اصبحنا نتسابق للتضحية من اجل الوطن.
انطلقنا ثلاث سيارات من مدينة العيون، كنا مجموعة كبيرة من الشباب، منها اليوم من هو شهيد، ومنها من لا زال على قيد الحياة.
نذكر منهم شقيقي سيف الرسول، و الروبيو الكوري ولد الكرشة، والشهيد إبراهيم ولد خطري، والسالك ولد الزين ...الخ
في البداية اتجهنا نحو القلتة، كونها هي اقرب منطقة تسيطر عليها جبهة البوليساريو، وصلنا هناك في المساء قبل غروب الشمس، وتوقفنا عند نقطة المراقبة (الكونترول) طلب منا احد الحراس رخصة الانطلاقة، وهي رخصة تمنح لمن له الحق في الالتحاق بالجيش، لم نكن نحمل تلك الرخصة، وطلبوا منا العودة ادراجنا، حتى ناتي بتلك الرخصة.
قررنا عدم العودة، و أخبرنا المعني، أننا مجموعة من الشباب، قررنا ان نلتحق بالجبهة، وكلنا عزم و إرادة في محاربة الأعداء وإخراجهم من أرضنا، و أنه لا يمكننا العودة ادراجها.
طلبوا منا ان نبتعد قليلا عن نقطة المراقبة تلك حتى يجدوا لنا حلا.
نزلنا الى واد غير بعيد، و بتنا ليلتنا حتى الصباح الموالي، عدنا مرة اخرى الى نقطة المراقبة تلك، وفي النهاية سمح لنا بالدخول، تابعنا سيرنا في طريقنا حتى وصلنا منطقة القلة، حيث وجدنا هناك عائلات وأفراد من عامة الشعب، وبعض المقاتلين، وحينها لم يتم بعد تنظيم الجيش بصورته الحالية، و إنما كان عبارة عن ميليشيات تقوم ببعض المهام، وكانت الناحية الاولى هي الجهة الوحيدة التي تتميز بتنظيم اقرب الى الجيش.
عندما وصلنا الى المعسكر انصدم البعض بالحالة المزرية، لأن الظروف كانت صعبة من ناحية الملابس و الاغطية و نوعية الأكل.
لكننا كنا مقتنعين بما سنجده أمامنا، و سنتحمل كل الظروف، ولا يمكننا العودة أدراجنا، وكلنا قناعة بما جئنا من اجله، وماعلينا إلا الصبر و التسليم بالأمر الواقع.
تركنا سياراتنا الصغيرة، وكانت هناك سيارات لاندروفير خاصة بالجيش، وفي تلك الاثناء كانت الجماهير تتلاحق من كل أرجاء الوطن، انضمت إلينا مجموعة من ضمنها مصطفى محمد لمين الكتاب (العظلي) و عبد الرحمان المذبوح رحمه الله و الشهيد اسلمو و اخرون.
ركبت ضمن تلك المجموعات في سيارات لاندروفر، التي بدأت تشق عباب الصحراء ووديانها وسهولها غربا، لانعلم الى أين نتجه، ولا الى اين ذاهبون، و في النهاية ادركنا اننا نتجه نحو تافودارت.
تحقيق بلاهي ولد عثمان