رغم إنه في تقديري لايمكننا الحديث عن الشهداء إلا ورؤوسنا مطأطأة خجلة أمام تضحياتهم وأرواحهم التي قدموها غربانا للحرية وليحيا الوطن، وبأن الأمة التي تنسى عظمائها وخاصة شهداءها لا تستحق الحياة..... ورغم قناعتي بأنه ليست هناك كلمات يمكن لها أن تصف الشهداء ، ولكنني يمكنني القول بأنه قد تتجرأ بعض الكلمات لتحاول وصفهم بالقول بأنهم من القلائل الذين تسجد لهم الملائكة في السماء.....إنهم شموع تحترق ليحيا الآخرون ....... أناس جعلوا من عظامهم جسراً ليعبر الآخرون إلى الحرية...... هم الشمس التي تشرق إن حلّ ظلام الحرمان والاضطهاد ... هم الذين ستبقى ذكراهم عالقة في اذهاننا وعطرهم الفـواح يرافقنا ما حيينا...... هم الذين لاندري من أى سبيكة ذهب صيغت نفوسهم ، أو أية روح قدسية تملكتهم في لحظة انتقال تلك الروح لملكوت السماء ... هم الذين لاندري كيف استطاعوا أن يثبتوا ويهزمون الرعب من الموت والخوف من الرصاص ......... في ظاهر الأمر نحن أحياء وهم أموات...... أما الحقيقة فإننا نعيش حياة الموت، نمارس العيش المزيف، نركض خلف المجهول، نتخاصم ونتعارك بسبب وسخ وفتات الدنيا الفانية، نحمل هم دنيا عنها راحلون ، نولول على صفقاتنا البائسة التي نصنعها على ظهور الجرحى واليتامى والارامل والثكالى.... نتشاجر على حطام الدنيا، نتفاخر بما جمعناه من وسخ بغير حق، نحيا كما الأنعام، نركض خلف ألف وهم ووهم، تداهمنا الرغبة واللذة والانشغال في توافه الأشياء، متناسين بإننا في النهاية سنموت ولاندرى على أية صورة ستكون نهايتنا الحتمية ورحيلنا للدار الاخرة........ وتبقى الكلمات تحاول أن تصفهم ولكن هيهات هيهات.....
ولأن لحظة رحيلهم هي لحظة التسامي فوق كل الغرائز العمياء،
فيجب أن تبقى آثارهم واضحة، وأن لاندفن أفكارهم كما دفنت أجسادهم لأن ذلك يعتبر ظلماً في حقهم وجرما في حق دماءهم الطاهرة........ وأقل ما يمكن أن نفعله لأجلهم هو الوفاء والإخلاص لهم، ومطالبة من عايشهم أن يتحدث عنهم..... عن أخلاقهم وصفاتهم الرائعة وكلماتهم النيّرة، وأن ينقل كلماتهم الطيبة وسماتهم الصالحة إلى الآخرين الذين حرموا من معرفتهم، وللأجيال الأخرى القادمة التي لا تعرف بأن على هذه الأرض مشى أناس من أفضل وأنبل ما أنجبته نساء هذا الزمن .
فأزكى الصلاة منا على أرواحهم الطاهرة ........ سنبكيهم رغم أننا نعلم بأن يوم رحيلهم هو يوم بدء حياتهم الأبدية....... وبإنهم الان في جنات النعيم على الارائك متكئون، يسقون من رحيق مختوم....
ولأنهم تركوا لنا حمل ثقيل وعيش ذليل وغادروا في عزة وشرف سنجعل دماؤهم تنبت في ربانا قناديلا نضئ بها طريق النضال والكفاح....
.
فلعيشوا عيشة هنية في جنات الخلد