أهم عامل فرض تاريخيا على البشرية إنشاء تنظيمات دولية او جهوية هو تحقيق السلام بين الشعوب و الأمم و الحفاظ عليه لمنع الحروب و النزاعات.
و يعتبر البيان التاريخي الذى وجهه رئيس المكسيك بينيتو خواريث ( Benito Juárez ) إلى شعبه بتاريخ 15 بوليوز 1867، بخصوص شروط السلام و المساواة، مرجعية قانونية و فلسفية تشكل ركيزة اساسية للمبادئ العامة للقانون حيث قال فى بيانه: " بين الأفراد كما بين الأمم, إحترام حقوق الآخرين، هو السلام "
" entre los individuos, como entre las naciones, el respeto del derecho ajeno es Paz "
(تراه فى:
gob.mx>artículos .
و بالفعل، فقيام الأمم المتحدة سنة 1945، بعد الحرب العالمية الثانية على انقاض عصبة الأمم، يهدف بالدرجة الأولى إلى فرض السلم و الأمن الدوليين على أساس تطبيق رزمة من المبادئ و القواعد القانونية التى تتوخى المساواة بين بني البشر و العدل بين الأمم و ضبط العلاقات فيما بينها فى ازمنة السلم كما فى اوقات الحرب.
إن قبول جميع الدول فى العالم إعتماد حق الفيتو و العضوية الدائمة لدولة معينة فى مجلس الأمن يعتبران من اهم ما ميز العلاقات الدولية عقب الحرب العالمية بالإضافة إلى أن ذلك شكل اتفاقا بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية و الذين يمثلون الكتلتين، الشرقية و الغربية، المتنافستين.
فإنشاء مجلسا للأمن عهد إليه المجتمع الدولى مسؤولية السهر على السلم و الأمن الدوليين نابع من القناعة بأنه سيتولى تلك المهمة النبيلة و الخطيرة، فى نفس الوقت، نيابة عن منظومة الأمم المتحدة و أنه سيقوم بتنفيذها طبقا لصلاحياته المحددة فى الميثاق و تماشيا مع مقتضيات معاهدات الأمم المتحدة و خاصة منها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 المعروفة ب "معاهدة المعاهدات" ( le traité des traités) التى دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 27 يناير 1980.
(إطلع علي ذلك في:
1-إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
legal.un.org>VCLT-a)
أولا: مجلس الأمن بين سلطة الإلزام و واجبات الإلتزام
1-واجبات مجلس الأمن و وظيفته
مواد الميثاق التى تحدد وظيفة المجلس و واجباته ( المواد من 23 إلى 26) تؤكد أنه يقوم بتلك الواجبات طبقا لنص الفقرة 2 من المادة 24 من خلال " أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الأمم المتحدة و مبادئها" و أنه يرفع تقريرا سنويا و تقاربر خاصة إلى الجمعية العامة للنظر فيها.
و بما أن المجلس ينوب عن الأمم المتحدة للقيام بمهمة حفظ السلام فانه ينجر عن ذلك إلتزام الدول الأعضاء بإحترام قراراته ( الفقرة 1 من المادة 24).
2- صلاحيات و سلطات مجلس الأمن:
لمجلس الأمن نوعين من الصلاحيات الأساسية و هي محددة خاصة فى الفصلين السادس( المواد من 33 إلى 38) و السابع ( المواد من 39 إلى 51) من ميثاق الأمم المتحدة وهما الفصلان المتعلقان بحفظ السلام و بحل النزاعات بالطرق السلمية بالإضافة إلى تمتعه بمهام اخري مستمدة من الفصول الثامن و الحادى عشر و الثانى عشر و هي الصلاحيات و المسؤوليات المرتبطة بالتنظيمات الإقليمية و بوضع البلدان التي لا تتمتع بالحكم الذاتى او بالآقليم التى تخضع لنظام الوصاية الدولي.
فإذا كان مجلس الأمن يتمتع بصلاحية إتخاذ القرارات ذات الطابع الإلزامي، طبقا للفصل السابع، أو تلك التى يراها مناسبة فى حالات تهديد السلم و الإخلال به و وقوع العدوان فإن له دور يشبه عمل الوسيط و مهمة التحكيم حسب مواد الفصل السادس عندما يتعلق الأمر بالبحث عن حل النزاعات بالطرق السلمية.
ثانيا: تطبيق إتفاق السلام/مخطط التسوية من طرف بعثة المينورسو يدخل فى نطاق الفصل السابع
يجب فى البداية التذكير بأن القضايا المتعلقة بتصفية الإستعمار تدخل ضمن إختصاصات الجمعية العامة التى تتبع لها اللجنة الرابعة المكلفة بالمسائل السياسية الخاصة و بتصفية الإستعمار و كذلك لجنة الأربع و العشرين المسؤولة عن تنفيذ الإعلان الخاص بمنح الإستقلال للبلدان و الشعوب المستعمرة.
تدخل مجلس الأمن في قضايا تصفية الإستعمار ياتى من باب الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين عبر العديد من الاجراءات قد يكون منها إستعمال القوة لمنع العدوان أو انهاء النزاعات و يدخل فى ذلك الإطار إنشاء بعثات لحفظ السلام أو لتطبيق الإتفاقيات المبرمة بين أطراف النزاع كما هو الحال بالنسبة لبعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية٫ المعروفة إختصارا بالمينورسو.
( تعريف المعاهدات و الفرق بينها و بين الإتفاقيات موضوع نظري واسع تحاشينا الخوض فيه هنا. إلا أنه ايما كانت تسميات الإتفاقيات المبرمة بين طرفي نزاع مسلح و الهادفة إلى إحلال السلام فإن لها طبيعة إلزامية)
( يمكن الخوض في هذا الموضوع بدءا بالإطلاع على:
1-المصطلحات الأساسية
ozone.unep.org>almsthat-a
و كذلك فى:
2-هل هناك فارق فى القانون الدولى بين الإتفاقية و المعاهدة ؟
الدكتور محمد قطر
ar.quora.com)
و هكذا كما رأينا فإنه يترتب عن صلاحيات المجلس و مهامه مسؤوليات عديدة في ميدان السلم و الأمن الدوليين.
و فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية فإن لمجلس الأمن مسؤوليات عديدة منها:
1- مسؤولية المجلس أمام منظومة الأمم المتحدة و طرفي النزاع فى الصحراء الغربية عن تطبيق اتفاقية السلام/مخطط التسوية
بعد توصل الطرفين، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية، إلى إتفاق للسلام سنة 1991، معروف تحت إسم مخطط التسوية، و ذلك بعد 16 سنة من الحرب و 6 سنوات من المفاوضات بينهما ، تحت الإشراف المشترك و المباشر لمنظمتي الأمم المتحدة و منظمة الوحدة الأفريقية، ممثلتين بالامين العام للمنظمة العالمية و رئيس المنظمة القارية، فإن مسؤولية تنفيذ إتفاق السلام/ مخطط التسوية تسقط آليا على عاتق مجلس الأمن، الذي ينوب عن الأمم المتحدة فى مهمة الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين.
فمن باب ان مخطط التسوية يجسد إتفاقا ملزما يرمي إلى إحلال السلام بين الطرفين المتحاربين، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية، و أن الأمم المتحدة بمعية منظمة الوحدة الأفريقية هما الضامنين لتنفيذ إتفاق السلام/مخطط التسوية، فإن المسؤولية المترتبة على مجلس الأمن في فرض تنفيذ ذلك الإتفاق من لدن الطرفين طبقا للفصل السابع من الميثاق، تعد أمرا لا يقبل الجدال لأن عكس ذلك يعتبر اخلالا خطيرا بمسؤوليات المجلس في تنفيذ مأموريته الشيء الذي ترتب عنه فى النهاية إستئناف للحرب من جديد كما حصل منذ 13 نوفمبر 2020.
و من المعروف أن المملكة المغربية تقوم منذ غزوها للصحراء الغربية، سنة 1975، بخروقات جسيمة لمقتضيات ميثاق الأمم المتحدة و لأحكام القانون الدولى و القانون الدولى الإنساني و خلقت أزمة خطيرة و عدم استقرار فى ربوع منطقة شمال غرب إفريقيا يهدد السلم و الأمن و من تلك الخروقات:
أ- القيام بالعدوان و الغزو العسكري ضد بلد مجاور، الصحراء الغربية، و هو اقليم، بتعبير الأمم المتحدة ، يخضع لعملية تصفية استعمار.
ب- أن المغرب يقوم بتغيير الحدود الدولية المعترف بها.
ج- و أنه يرتكب جرائم حرب و جرائم
ضد الإنسانية ضد الشعب الصحراوي.
د- و أنه يطبق خطة تستهدف تنفيذ مشروع إحتلال استيطاني يقوم على حيازة الاراضي بالقوة و تغيير التركيبة الديموغرافية و حرب إبادة و طمس للهوية الوطنية المتميزة للشعب الصحراوي.
كل هذه الافعال تشكل اعمالا حربية و عدوانية تهدد السلم و الأمن الدوليين و تدخل كلها ضمن الأوضاع التي يترتب فيها على المجلس تفعيل صلاحياته المنوه عنها فى المواد من 39 إلى 51 من الفصل السابع و منها المواد 41 و 42 الخاصة بالاجراءات و التدابير التي يمكن للمجلس اتخاذها لحفظ السلم و الأمن الدولى و اعادته إلى نصابه بما في ذلك إستعمال القوة بالإضافة إلى تدابير اخري كالعقوبات المختلفة.
2-مسؤولية مجلس الأمن فى تنفيذ إتفاق السلام/مخطط التسوية طبقا لإتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات
تركز إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات في المادة 26 من الفصل الأول حول إحترام المعاهدات على الأهمية التى يكتسيها المبدإ القانوني القائل" أن العقد شريعة المتعاقدين". كما تقر نفس المادة أن " كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها و عليهم تنفيذها بحسن نية".
(انظر بخصوص مبدإ حسن النية
مبدأ حسن النية فى تنفيذ المعاهدات الدولية.
رغد عبد القادر
The principle of good faith in carrying out the international treaties.
djhr.uodiyala.edu.iq)
و على هذا الأساس فإن طرفي الاتفاق ، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية و الضامنين لهذا الإتفاق، منظمتي الأمم المتحدة و الوحدة الأفريقية، ملزمون جميعا بتنفيذه و بحسن نية.
كما يعود للمجلس، على كل حال، إتخاذ القرار المناسب لفرض تطبيق مخطط التسوية بما في ذلك إستعمال القوة و تفعيل سلطة الإلزام و الإكراه طبقا لأحكام الفصل السابع التي تلزم المجلس فرض على طرفي إتفاق السلام الوفاء بالتزاماتهما و ذلك لمنع رجوع الحرب و تهديد السلم و الأمن.
3- مسؤولية المجلس فى تطبيق إتفاق السلام/مخطط التسوية على ضوء قواعد القانون الدولى الآمرة
يعتبر نص المادة 53 من إتفاقية فيينا " قاعدة اجبارية بالنسبة للقانون الدولى كل قاعدة مقبولة و معترف بها من قبل المجموعة الدولية للدول فى مجملها كقاعدة لا تخضع لأي أستثناء و لا يمكن أن تتغير إلا بمقتضى قاعدة جديدة من القانون الدولى تحمل نفس الطبيعة"
(تعرف على القواعد الآمرة فى القانون الدولي في:
Le jus cogens, les normes impératives
Agnès Gautier-Audebert
cairn.info/leçons de droit international )
و يعتبر القانون الدولي أن مبدإ حق تقرير المصير هو أهم إحدى القواعد القانونية الآمرة نتيجة لمنزلته الطبيعية فى حياة الشعوب و فى نفس الوقت إعتبارا لمكانته بالنظر إلى مسألة إستتباب السلام في العالم، كما جاء في مقاصد ميثاق الأمم المتحدة.
و تجسد الفقرة الثانية من المادة الاولي من الميثاق هذه المرتبة التى يحظى بها حق تقرير المصير باعتباره قاعدة قانونية آمرة حيث تؤكد هذه الفقرة أن :" إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس إحترام المبدإ الذى يقضى بالتسوية فى الحقوق بين الشعوب و بان يكون لكل منها تقرير مصيرها و كذلك إتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام".
و تجدر الاشارة إلى أن الرأي الاستشارى لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 16 اكتوبر 1975يؤكد على ضرورة إحترام مبدإ تقرير المصير و ممارسته من لدن الشعب الصحراوي فى إطار البحث عن أي حل سلمي ما دامت المحكمة قد اكدت عدم وجود أي روابط او علاقات سيادة بين الصحراء الغربية و كل من المملكة المغربية و المجموعة الموريتانية و ذلك قبل الإستعمار الإسبانى للإقليم.
(إطلع على موضوع تحليلي بهذا الخصوص فى:
تحليل الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية الخاص بالصحراء الغربية.
زناتي مصطفى
Aasjp.cerist.dz>d)
4-مسؤولية مجلس الأمن عن تطبيق إتفاق السلام/مخطط التسوية فى الصحراء الغربية فى إطار الشراكة مع منظمة الوحدة الأفريقية/الإتحاد الأفريقي
كانت منظمة الوحدة الأفريقية هي المبادر بمشروع حل سلمي للقضية الصحراوية عبر القرار 104 الذى صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع و على ذلك الأساس و طبقا للمسؤوليات المشتركة للمنظمتين فقد اشرفتا معا على المفاوضات بين الطرفين و التى اسفرت عن التوصل إلى إتفاق السلام/مخطط التسوية السالف الذكر و الذي انشئت بعثة المينورسو لتطبيقه و هي البعثة التى تشتمل على فريق يمثل المنظمة القارية التى لها نفس المسؤولية فى تصفية الإستعمار من آخر مستعمرة فى أفريقيا.
تقاعس المجلس، غير المبرر ، عن تمكين بعثة المينورسو من تنفيذ المهمة المشتركة الاممية- الأفريقية التي انشئت من اجلها و المتمثلة في تنظيم الإستفتاء يعد خرقا سافرا للمواد 24، 25 و 26 من الميثاق المتعلقة بواجبات المجلس تجاه المجتمع الدولي فيما يتعلق بمسوؤليته الحصرية فى الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين.
ثالثا: اسباب عدم ملائمة تطبيق الفصل السادس فى النزاع الصحراوي المغربي
يشكل الفصل السادس( المواد من 33 إلى 38) أطارا قانونيا يخول للمجلس أن يقدم توصيات لأطراف النزاعات بهدف مساعدتها للتوصل إلى حل سلمي كما يمكن لأطراف النزاعات أن تطلب من المجلس او من المنظمات الإقليمية و غيرها المساعدة لأيجاد حلول سلمية لخلافاتها.
و فى إطار تطبيق الفصل السادس يتولى المجلس تقدير ما إذا كان أي نزاع قائم من شأنه ان يهدد السلم و قد يقترح المجلس على أطراف النزاعات القانونية رفع خلافاتهم إلى محكمة العدل الدولية.
و يشير الفصل السادس إلى امكانية لجوء أطراف النزاعات إلى المفاوضات و التحكيم و عمل الوساطة و التسوية القضائية.
و نستخلص من كل ما سبق أن النزاع في الصحراء الغربية دخل تحت طائلة الفصل السابع مباشرة بعد مصادقة طرفي النزاع، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية، على إتفاق السلام/مخطط التسوية و تولي بعثة المينورسو مباشرة تنفيذه مع بداية وقف إطلاق النار يوم 6 شتنبر 1991 تحت إشراف مجلس الأمن.
مقتضيات الميثاق و مواد إتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تلزم مجلس الأمن على فرض التطبيق التام و الكلي لإتفاق السلام/مخطط التسوية من طرف بعثة الأمم المتحدة و على إلزام الطرفين الصحراوي و المغربي مواصلة التعاون بحسن نية مع البعثة و عدم عرقلة عملها لتتمكن من تنفيذ مهمتها كاملة و هذا طبقا لميثاق الأمم المتحدة و لقانون المعاهدات و المبادئ العامة للقانون الدولي.
عرقلة المغرب لعمل بعثة المينورسو فى إطار تأديتها للمهمة التى انشئت من اجلها و المتمثلة في تنظيم الإستفتاء يفرض قانونيا على مجلس الأمن إتخاذ كل القرارات الملائمة و التدابير الضرورية لفرض على المغرب الوفاء بالتزاماته طبقا لمواد الميثاق و مقتضيات الفصل السابع و قانون المعاهدات.
( إطلع على مقال هام و حديث فى:
Chapitre VII et maintien de la paix : une ambiguïté à déconstruire
Dr Alexandra Novosseloff
ceim.uqam.ca/db/spij)
تملص اعضاء دائمين بمجلس الأمن من مسؤولياتهم و امتناعهم عن إجبار الطرف المغربي على مواصلة التعاون مع البعثة الاممية يشكل خرقا سافرا لمسؤولياتهم الفردية و للمسؤوليات الجماعية للمجلس.
عدم التزام مجلس الأمن، إذن، بتطبيق إتفاق السلام/ مخطط التسوية المبرم بين جبهة البوليساريو و المملكة المغربية، يثبت وجود أزمة عميقة على مستوى منظومة الأمم المتحدة و يفسر التدهور الخطير الذى اصاب انسجامها مع المبادئ و الأهداف التى بنيت عليها العلاقات الدولية الشيء الذى يفسر تصاعد المطالبات پإجراء إصلاحات جوهرية و عميقة على تشيكلة الهيئات الدولية و على اساليب عملها و هذا فى إطار البحث عن انسجام تلك الهيئات مع المقاصد و الأهداف التي قامت من اجل تحقيقها.
امحمد/البخاري 14 شتنبر 2023