أفادت وزارة الداخلية المغربية مساء اليوم السبت، بارتفاع عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب البلاد مساء أمس الجمعة، إلى 1305 قتلى، و1832 مصابا، من بينهم المئات إصاباتهم خطرة.
ومع الكوارث الطبيعية يعود الجدل من جديد في المفرب حول هشاشة البنية التحتية وقدرة المملكة الغارقة في الديون على التعامل مع الكوارث الطبيعية. والسؤال هو أين النظام الملكي الذي يستحوذ على الثروة من كل ما جرى؟
الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي يعايشها المغاربة يعلم ما يواجهه هذا البلد من تحديات مستقبلية على الأمدين القصير والطويل. ففي الوقت الذي يعيش فيه أثرياء المغاربة حياة فارهة، يعيش ملايين الفقراء في بيوت الصفيح دون أن يحصلوا على أدنى حد من المقومات الأساسية للحياة الكريمة.
تتجاوز الفجوة التي تفرّق بين الأغنياء والفقراء في المغرب الحاضر لتلقي بظلالها على مستقبل أطفال المغرب المعوزين. ووفقاً للمعلومات التي نشرتها كلٌّ من وكالة الاستخبارات الأمريكية في “كتاب حقائق العالم” والبنك الدولي، فإن خمس الشعب المغربي اليوم يعيشون تحت خط الفقر أو يكاد، أي أنّ 6.3 مليون إنسان لا يملكون مواد العيش الأساسية. ولهذا الواقع المعاش بالطبع أسباب عميقة تستند إلى أسس الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذا البلد.
يتركَّز ثلثا فقراء المغرب في المناطق الريفية النائية. ويواجه سكان هذه الأرياف تحديات كبيرة كثيرة في آنٍ واحد: فهناك أجزاء واسعة في المناطق الريفية لا يتم تزويدها بشكل كاف بالمياه والكهرباء بسبب سوء البنية التحتية. وإلى جانب المسافات الطويلة التي لا بد من قطعها للوصول إلى آبار المياه الجماعية، يعاني أبناء المناطق الريفية من مشاكل كثيرة ناجمة عن وجود مثل هذه الآبار البدائية أساساً. كما أن الإنتاج الزراعي مرهون بشكل كامل بتوفُّر المياه. و يضاف إلى ذلك شبكة المواصلات غير الموسَّعة بقدرٍ كافٍ، وهو ما يعيق الكثيرين من أطفال المغاربة من الوصول إلى مدارسهم، دون نسيان ما يسمى بـ “هجرة الشباب” الذين لا يجدون في كثير من الأحيان مخرجاً حقيقياً من الفاقة إلا في السَّعي خلف حظِّهم في مكان آخر، وفي مدينة كبيرة.
واصبحت مظاهر الفقر في تزايد مستمر، فالحالات التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي تعكس الواقع المزري الذي يعيشه المواطن المغربي، غير أن أكثر الحالات مأساوية هي تلك الحادثتين اللتين تخصان طفلا يشارك بإحدى مسابقات العدو الريفي وهو ينتعل جوارب بالية و امرأة تطلب ترخيصا من اجل التسول كي لا تتعرض للمساءلة بعدما اوصدت كل الأبواب في وجهها.
وهزت صورة طفل شارك في البطولة المغربية للعدو الريفي التي جرت مؤخرا بمدينة تامسنا التي تبعد 15 كلم عن العاصمة الرباط، منصات التواصل الاجتماعي، حيث تظهر طفلا ينتعل جوارب بالية ملفوفة بشريط لاصق يشارك في المنافسة المذكورة.
وحصدت الصورة كما كبيرا من التعاليق المتعاطفة مع الطفل الصغير.
وفي حادثة اخرى لا تقل مأساوية، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، قدمت سيدة خمسينية طلبا لرئيس جماعة بني ملال، للترخيص لها من أجل ممارسة التسول في الشوارع، الأمر الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي ليكشف عن الحالة المزرية التي تعيشها فئة كبيرة من المغاربة.
وقالت السيدة في طلبها لرئيس المجلس الجماعي لمدينة بني ملال : "يؤسفني سيدي الرئيس أن أتوجه إليكم بهذا الطلب، من أجل الترخيص بمزاولة التسول، بعد انسداد جميع الأبواب في وجهي، من أجل البحث عن العمل".
وأضافت: "القانون يمنع مزاولة التسول أكثر من مرة، مما يعرضني للمساءلة القانونية في حالة تكرار التسول، ولهذا ألتمس منك سيدي الرئيس منحي الترخيص من أجل التسول، حتى لا أكون عرضة للمساءلة".
وفي السياق، نددت أحزاب سياسية ونقابات مغربية بتدهور الأوضاع المعيشية وتزايد الممارسات القمعية بحق الشعب المغربي جراء سياسات المخزن اللاشعبية والفساد والاستبداد، والتي أدت الى انهيار القدرة الشرائية و ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، داعية إلى الرفع من وتيرة التعبئة استعدادا للتعامل مع كل التطورات، على غرار "الحزب الاشتراكي الموحد" الذي ارجع تدهور الأوضاع المعيشية لفئات واسعة من المجتمع المغربي، الى "استمرار المخزن في نهج الاختيارات اللاديمقراطية و اللاشعبية، و الإصرار على زواج السلطة السياسية والمالية، وما ينتجه من فساد و ريع و استغلال للنفوذ و السلطة".
كما استنكر الحزب "الاختيارات والسياسات التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطنين عبر الزيادات الصاروخية في المواد الأساسية، والزيادة في سعر المحروقات، واستهداف الطبقات المتوسطة بالرفع من الضرائب".
من جهة أخرى، أبرزت المنظمة الديمقراطية للشغل أن من بين أسباب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية، "استمرار هيمنة نظام الريع و الاحتكار والاستغلال والفساد و اغراق المغرب في مزيد من المديونية الخارجية".
وفي تقرير منتدى "دافوس العالمي للاقتصاد" الاخير، جاء فيه أن أكبر خطر يهدد المملكة المغربية، خلال العام الجاري 2023، هو ارتفاع تكلفة المعيشة، متوقعا أن يستمر هذا التهديد في العامين المقبلين.
وحدد تقرير المنتدى أهم "5 مخاطر تحدق بالبلاد على مدى عامين"، مؤكدا أن أزمة تكلفة المعيشة أهمها، بينما جاءت في قائمة المخاطر، أسباب أخرى على غرار "التضخم السريع، وخطر الصدمات الشديدة في أسعار السلع الأساسية، والأزمات الحادة في المعروض من السلع الأساسية، وأزمات الديون".
من جهته، صنف موقع "غلوبال بيترول برايس"، المتخصص في تتبع أسعار الطاقة حول دول العالم، المغرب ضمن الدول التي تعرف ارتفاعا في تعريفة الكهرباء.
وكشف الموقع المذكور ان ثمن الكهرباء في المغرب قدر عند نهاية ديسمبر المنصرم 1.17درهم اي 0.12 دولار امريكي لكل كيلووات ساعة و 1.07 درهم اي 0.11 دولار امريكي للشركات. في حين بلغ متوسط سعر الكهرباء في العالم لنفس الفترة 0.14 دولار امريكي لكل كيلووات ساعة للأسر و 0.13 دولار امريكي للشركات.
واحتل المغرب المركز ال15 بخصوص ارتفاع ثمن الكهرباء الذي تستهلكه الاسر مقارنة مع دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
زيادة على ذلك، تفيد إحصاءات كانت قد أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط في المملكة المغربية اكتوبر المنصرم أن حوالي 3.2 مليون شخص إضافي تدهورت أوضاعهم المعيشية تحت التأثير المزدوج للأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا والتضخم.
وأضاف المصدر ذاته أنه في 2022، عادت وضعية الفقر والهشاشة بالمغرب إلى مستويات سنة 2014.
وارتفع معدل الفقر المطلق من 1.7 في المائة في 2019 إلى 3 في المائة خلال 2021 على المستوى الوطني، ومن 3،9 في المائة إلى 6،8 في المائة في المناطق القروية، ومن 0،5 في المائة إلى 1 في المائة في المناطق الحضرية، حسب معطيات المندوبية.
وفيما يتعلق بالهشاشة، التي يقصد بها تدهور الأوضاع المعيشية، فقد شهدت ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقلت من 7.3 في المائة سنة 2019 إلى 10 في المائة سنة 2021 على المستوى الوطني، ومن 11.9 في المائة إلى 17.4 في المائة في المناطق القروية، ومن 4.6 في المائة إلى 5.9 في المائة في المناطق الحضرية.