تعاني الصحراء الغربية من نَيرِ الاحتلال المغربي منذ عام 1975، عندما احتل المغرب هذه المنطقة بعد انسحاب إسبانيا منها، ومنذ ذلك الحين، واجه شعب الصحراء الغربية حملة إرهابية من جانب الاحتلال المغربي، استخدم فيها هذا الأخير كل أشكال العنف والتهديد والتنكيل لإخضاع المنطقة وسكانها، بل امتدت أطماعه إلى المطالبة بأجزاء واسعة من دول الجوار.. ومن أجل مواجهة هذه الحملة الشعواء، توحّد شعب الصحراء الغربية تحت راية جبهة البوليساريو، والتي برزت قُبيل احتلال المغرب للصحراء الغربية كحركة تحّرر تطالب باستقلال الإقليم، ومن خلال ارتباط مناخ النضال في الصحراء الغربية بالهوية الثقافية، باتت الثقافة تؤثر بشكل كبير في مظاهر النضال الصحراوي المتواصل إلى يومنا هذا.
رغم الدور الهام الذي تلعبه الثقافة في نضال الشعب الصحراوي، إلا أنها تواجه عدة تحديات خاصةً في المدن المحتلة، حيث تشهد قيوداً وقمعاً يمارسهما الاحتلال المغربي على حرية التعبير الثقافي للصحراويين، وفي بعض الأحيان، يُحرم الفنانون والمثقفون من ممارسة أعمالهم والعمل على تعزيز حقوقهم الثقافية وتعزيز هويتهم الثقافية الأصيلة، بل ذهب الاحتلال المغربي الى محاولة طمس الوجود الصحراوي في الاقليم المحتل عبر العبث باللهجة الحسّانية وإقحام المستوطنين المغاربة في المشهد الثقافي الصحراوي بهدف المساس به وإحداث خلل في المكوّن الثقافي للصحراء الغربية.
يعدُّ أدب المقاومة جزءاً مهماً من الثقافة في الصحراء الغربية، فقد لعب الأدباء الصحراويون دوراً هاماً في دعم الحركة الثقافية والنضالية في هذه المنطقة، وتتمثل أهمية هذا النوع من الأدب في تعزيز الوعي الثقافي والوطني للشعب الصحراوي، وتحقيق التحرّر والحرية والاستقلال.
على مدى خمسة عقود من الزمن، أنتج الأدباء الصحراويون نصوصاً شعرية ونثرية تعبّر عن رغبتهم في الحرية والاستقلال، مستبسلين في نقل ملاحم الشعب الصحراوي، ناشرين الأمل في غدٍ أفضل، كما شكّلت تلك الكتابات مراجع تاريخية، استفاض فيها أصحابها في وصف الصراع الذي يعاني منه الشعب الصحراوي ضد الاحتلال المغربي، ويقوم هؤلاء الأدباء بكتابة أعمالهم بناءً على تجربتهم الحية، وعلى الأحداث التي يعيشها الشعب الصحراوي.
خارطة الكفاح الثقافي..
نجح الأدباء في الصحراء الغربية في عرض رؤيتهم للنضال ضد الاحتلال المغربي، ونقل معاناة الصحراويين في اللجوء والمدن المحتلة، فاستخدموا في ذلك الشعر، الرواية، المقالات، المسرحيات والأفلام التي امتازت بأسلوبها المعبّر الذي جسّد الواقع بكل تفاصيله وتجلّياته، لتتحول هذه الأعمال الى مصدر هام في توثيق تجربة الشعب الصحراوي المقاوم، فبرزت للعالمية أعمال مخرجين شباب من أمثال إبراهيم شكاف وخديجة عالي وغيرهما ممن حملوا القضية في كاميراتهم.
أدباء ومثقفو الصحراء الغربية، كان لهم الدور الأساسي في النضال الثقافي، والنضال بشكل عام ضد الاحتلال المغربي، فتمكنوا عن طريق كتاباتهم من تعزيز الوعي الانساني بعدالة القضية، وتشجيع الناس على المشاركة في النضال لتحقيق الحرية والاستقلال، ورغم ضعف الامكانات وغياب الدعم المادي، إلا أن أوجه المقاومة الثقافية تعددت ألوانها وأغراضها مشكّلةً فسيفساء نضالية اشتركت في الهدف الواحد، ألا وهو دحر الاحتلال من أراضي الصحراء الغربية.
يعدُّ الأدب الصحراوي على تعدد ألوانه وأغراضه، جزءاً أساسياً من المقاومة الثقافية في الصحراء الغربية، حيث تدور عناصره حول المطالب الوطنية الصحراوية والتعبير عن الحرية والاستقلال، وقد تفنّن القلم الصحراوي في إنتاج أعمال شعرية ونثرية ومقالات صحفية تعبّر عن هوية الشعب الصحراوي وتفاصيل حياته ومعاناته، مما يجعل هذه الأعمال أداةً قوية للتعبير عن المطالب الثورية والمقاومة ضد الاحتلال المغربي.
في مقابل ذلك، نجحت الريشة والكاميرا في أن تكونا وسيلتين للتعبير عن هوية الشعب الصحراوي ومطالبه ضد الاحتلال المغربي، ومجابهة كل مظاهر “مَغْرَبة” المدن الصحراوية المحتلة، حيث استطاع الفنان الصحراوي إنطاق الصورة لتشهدَ على وجود قطيعة ثقافية أزلية بين المجتمع الصحراوي وعتاة المخزن الغاشم.
تمكنت الأعمال الثقافية الصحراوية المصورة بالريشة أو الكاميرا من عبور حدود الوطن المسلوب، ووجدت لنفسها فضاءً تتحرك فيه بحُرية، من خلال عديد المعارض التي احتضنتها كبريات دور العرض والساحات حول العالم، فالفنون البصرية من لوحات فنية وأعمال مصورة، استطاعت نشر قصص المقاومة والحرية في الصحراء الغربية، وأكدت للرأي العام العالمي مرة أخرى أن لا ترابط بين الجلاد والضحية.
وكان للأغنية النضالية الصحراوية الفضل الكبير في نشر الوعي والتعريف بالقضية الصحراوية مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بل إنها كانت سابقة للكفاح المسلح، مستمدةً قوّتها، حضورها وديمومتها من طبيعة المجتمع الصحراوي الذواق للفن، فبرزت أغاني الراحلة مريم الحسان، وعشرات الفنانين الذين ما تزال أصواتهم وألحانهم تصدح في سماوات الحرية والاستقلال.
بشكل عام، تلعب المقاومة الثقافية دوراً حيويا في دعم الحركة الصحراوية والمقاومة ضد الاحتلال المغربي، من خلال رفع الوعي والتوعية بالمشاكل التي يواجهها الشعب الصحراوي، وتعدُّ المقاومة الثقافية أيضاً أداةً فعّالة لتحقيق الوحدة الثقافية والتضامن بين الشعوب والثقافات المختلفة في المنطقة.
وبرزت في ساحة الكفاح الثقافي العديد من البرامج التلفزيونية والحصص الإذاعية التي أسّست للنضال الثقافي عبر الباقة البرامجية للتلفزة والإذاعة الصحراويتين، كان أبرزها برنامج “في رحاب الثقافة والادب الشعبي”، وهي رحلة إعلامية أدبية امتدت على مدار عقود من الزمن، خُصصت لتناول موضوعات أدبية مختلفة في جلسات شعرية أدبية، وكل ما تعلق بنضال الشعب الصحراوي سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً وتربوياً، فكانت تواجه الاحتلال المغربي في جبهة ثقافية، وتصدّت لدعايته المغرضة فكانت أقرب الى برنامج سياسي منها الى برنامج أدبي، ليتحول بعد ذلك الى برنامج تلفزيوني، الى جانب حصص ثقافية تخصصية أخرى على غرار برنامج “نادي الأدب” وبرنامج “تراثك لك”.