القائمة الرئيسية

الصفحات

الخمسينية وضريح المؤسس يبقى مجهولا؟


سال حبر كثير هذه الأيام عن الذكرى الخمسين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وقد تبارى الكثيرون في تمجيد الحدث وإبراز معانيه العميقة ودلالاته المتميزة، وإن كان لا يشك أي أحد في عظمة الذكرى وجلالها الا من في قلبه غُل أو أُعميت بصيرته، فإنه من باب المسؤولية والإخلاص لقيم وتاريخ الجبهة الشعبية ومن حيث الوفاء لمن ودّعناهم ذات يوم شهداءً وهم على يقين بأننا سنصون الأمانة ونكمل المسيرة أن يكون تخليد الذكرى الخمسين لرائدة الكفاح الوطني في مستوى عظمة الجبهة ونبل وصدق الشعب الصحراوي.
فإن كنا ننسى، لا ننسى البدايات حيث الثورة ما كانت سوى حلم وفكرة تراود شبابا مغامرا يتألم لشعب جاهل متخلف، مُغيب من طرف المستعمر ومُكبل بالخوف والإحباط وخيبات الأمل.
وإن كنا ننسى، لا ننسى صرخة شاب صحراوي قح في بداية عقده الثاني من العمر يكرر كالمجنون ” الثورة الآن، الثورة الآن أم أبدا”.
وإن نسينا ما نسينا الامتحان العسير الذي واجه شبابا في عمر الزهور بين الرابعة عشر والثانية والعشرين الذي حدد خيارين لا ثالث لهما: إما مواصلة الدراسة للحصول على شهادات عليا وإما صعود الجبال والحصول على شهادة التحرير وكان الخيار هو ” بالكفاح والسلاح نفدي الصحراء بالأرواح”.
وإذ نسينا ما نسينا، شبابا حفاة عراة يجوبون الصحراء طولا وعرضا صائفة 1972 لا زاد لهم سوى الإيمان بقدرة الجماهير على ضمان حرب التحرير، ينطلقون بوعي ثاقب ورؤية واضحة وثقة قوية في النفس للتبشير بالثورة واستنهاض همة الشعب الصحراوي وتفجير طاقاته، موازاة مع إعداد العدة لليوم الموعود من جمع للسلاح ومعرفة للأرض وتخزين للمؤن.
إن كنا ننسى لا ننسى تلك النخب الصحراوية الشابة الثورية التي لم تأت من الصدفة ولا هي نخب فُقاعة أو نخب انتهازية تدفع الجماهير الى الثورة وتتقاعس عنها، بل كانت هي السباقة الى قيادة الجبهة العسكرية والى الشهادة ويحذوني ردة فعل قائد عسكري من هذه النخبة مستنكرا على رفاقه محاولة منعه من اقتحام صفوف العدو معهم في يوم مشهود – خوفا على حياته –”هل أنتم وحدكم، لكم أمهات تزغردن لاستشهادكم أما أنا بلا أم، تزغرد لاستشهادي؟” نخب آمنت بالله عز وجل واقتنعت أن لا وجود لغير الشعب ولا تنظيم إلا التنظيم السياسي وأن ما أنتزع بالقوة لا يرد إلا بالقوة.
كانت تلك النخب الثورية التي غيرت مجرى التاريخ في المنطقة، عديمة من كل شيء الا من صلابة الإرادة و وضوح الهدف، يتزعمها شاب مُتقدم على زمانه، اتسم بكل صفات القائد الثوري بلا منازع، ذا ثقافة عالية مع الحذاقة والحزم، تُوجهه الرؤية والفكر والتنظير والحركية الدائمة والممارسة الميدانية، كان ذا مهارات تؤهله بلا منازع للقائد الثوري كاريزما، ذا همة عالية وقدرة على الإقناع و الخطابة إضافة الى الجرأة الثورية و الاندفاعة و الحماسة، مرناً مع القاعدة الشعبية، صارما قاطعا مع الأطروالنخب، يقظا، حذرا ودقيقا في حساباته. أعلن الوحدة الوطنية وأسس الدولة الصحراوية الحديثة، ربما كان أول اسير للجبهة الشعبية في عملية الخنكَة 20 ماي 73 وأول أمين عام يستشهد وبندقيته في يده مجسدا القول بالفعل ” إذا أردت حقك يجب أن تسخى بدمك” إنه: “لُولَيْ” كما عرفته في الحركة الجنينية، الشهيد والقائد الملهم الولي مصطفى السيد رحمه الله ورحم جميع شهداء الشعب الصحراوي الأبرار.
إننا وإذ نخلد خمسينية الجبهة الشعبية، حبذا لو كانت هذه الذكرى متميزة عن روتين الاستعراضات المعتادة فوق أرض الغير، خاصة أن حصيلة العقدين الأخرين لا ترقى الى طموح الجماهير الصحراوية. حبذا لو أدركنا أننا نخلد روح الشعب الصحراوي جبهة البوليساريو كما وصفها المفكر الثائر أحمد باب مسكة وعندما تموت هذه الروح لا قدر الله يعود الجسم الصحراوي الى منازل أمس أو أسوء بكثير. لذلك فالحدث جلل وعظمته قدسية وعليه كان من باب الحكمة والمسؤولية الثورية تكريم الشعب الصحراوي قاطبة بإتاحة له الفرصة باستقبال وتشييع جثمان مؤسس هذا التنظيم السياسي الذي نحتفي اليوم بخمسينيته ومرافقته بكل إكبار وإجلال الى مثواه الأخير بالأراض المحررة، ليعاد دفنه بالاحترام والتقدير الذي يستحقه من شعبه الى جانب رفيق دربه الشهيد محمد عبد العزيز. سيكون ذلك بلا شك أكبر عمل وأصدق تعبير وأفضل تخليد لهذه الذكرى في زمن الانكماش والتردد والعقم في الإبداع والتفكير والتنظير والممارسة الثورية. “إن الولي مصطفى السيد يبقي رمزا للشعب الصحراوي وقيمة ثورية مستمرة مادامت البوليساريو موجودة”.
إن الشعوب النبيلة لا تنسى أبداً أبطالها ولا يمحو ذكراهم طول الزمن، بل تجعلهم دوما أحياءً في الذاكرة الجماعية بتخصيص لهم جانبا هاما من تخليد أمجادهم و وإحياء مسيرتهم بل نقلت جثامينهم من أماكن بعيدة لتدفن في ارض الوطن. سقط الثائر الكوبي تشي غيفارا في بوليفيا وتمكنت الثورة الكوبية من إعادة جثمانه الى الأرض التي أحب و كافح من أجلها ليدفن في عز ووقار بمدينة “سانتا كلارا” التي دخلها مُحررا، المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري يُنقل من سوريا بعد أكثر من مئة سنة حيث دفن بها يوم 26 مايو عام 1883، ينقل الى الجزائر ليعاد دفنه في مقبر الشهداء بكل عز و شرف كما أعادت الجزائر جماجم عدد من شهداء المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي و ربطت علاقاتها الثنائية مع فرنسا على قاعدة احترام الذاكرة الجزائرية، دول كجنوب افريقيا، و الفتنام و أخريات لم تسمح بأن يبقى قبور قادتها كقبر الجندي المجهول تتبول عليه الذئاب في مكان ما من الأرض.
تلك دولٌ مسؤولة وشعوب خلوقة وقيادات ثورية لا تفرط ولن تفرط أبداً في زعمائها ورموزها وأبنائها المخلصين الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل انعتاقها وحريتها.
إن عودة جثمان القائد الثوري مؤسس جبهة البوليساريو الولي مصطفى السيد، إن كانت قد حصلت ستكون أفضل برٍ و أجمل عطاء يُمنح للشعب الصحراوي في هذه المناسبة الخالدة – نصف قرن من الكفاح المسلح – وستكون الذكرى تجديدا للعهد مع المؤسس وعامل تحفيز للرجوع الى الخط الثوري الذي رسمه شهداء الشعب الصحراوي.
أن يبقى ضريح الشهيد الولي مصطفى مجهولا كبطل بلا مجد، ذلكم لعمري يجعل الذكرى الخمسين لجبهة البوليساريو التي اقترن اسمها باسم مؤسسها، ناقص الطعم و الرائحة.
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...