وتتواصل الندوة على مدار ثلاثة أيام لمناقشة الوضعية الإدارية في المؤسسات الوطنية والوضع الأمني وذلك تطبيقا للبرنامج السنوي للحكومة الذي يتضمن تنظيم ندوة وطنية حول الأمن.
ويعلق المجتمع على الندوة امالا عريضة في الاستجابة للتحديات التي تواجه الإدارة الوطنية والوضعية الامنية التي تشهد تطورات مقلقة مع انتشار الحبوب المهلوسة وتسجيل حالات قتل عمد واستغلال سيارات رسمية في عملية تهريب للممنوعات.
ومع بداية مرحلة الصرامة التي تحدث عنها الامين العام للجبهة في ختام المؤتمر السادس عشر تطفو على السطح ظاهرة الفوضى المتنامية والتي انعكست تجلياتها في حالات السطو على المنازل والسرقات المتكررة للسيارات واستخدام السلاح وهو ما يعكس بجلاء فشل مقاربة الخلية الامنية والهيئة الامنية وعدم فاعلية اجهزة الشرطة والدرك والقوات الخاصة، والشرطة العسكرية وغيرها من المسميات التي اصبح الوضع الأمني ينهار معها دون استشعار لحجم الخطورة المحدقة مع تنامي انشطة التخريب لشبكات الكهرباء والحرب القذرة التي يشنها الاحتلال المغربي لاستهداف الجبهة الداخلية دون تدابير جدية لكبح جماح الظواهر المشينة، رغم وضعية استئناف الكفاح المسلح وما تفرضه من يقظة لكل الاجهزة والمؤسسات إلا أن السير بنفس أساليب ماقبل المؤتمر السادس عشر للجبهة يجعل هذه الاحداث الاخيرة معتادة وغير مفاجئة بقدر ما كانت متوقعة كاحدى تجليات الفوضى الامنية التي طالما حذر منها بعض المخلصين ووصفت حينها بانها مجرد إشاعات ومبالغات المستفيد الاول منها العدو وظل بعض "المسؤولين" يطبل للواقع المتردي ويصفه بانه ليس استثناء من العالم الذي يشهد مثل هكذا احداث دون التمعن في تطور وتيرة نفوذ وقوة المجموعات الإجرامية التي تنشط خارج القانون والتي اصبح بعضها اقوى بكثير مما تمتلكه الاجهزة الامنية حتى وصل الوضع الى جرائم القتل العمد التي تكررت بشكل تراجيدي دون أن تحرك القيادة السياسية ساكنا في تغيير المنظومة الأمنية وتقديم المسؤولين عن تردي الوضع الأمني للمحاسبة والعقاب.
هذه الوضعية التي يتخبط فيها المجتمع اليوم تعكس معضلة الفشل في احتضان الكفاءات واستغلال طاقاتهم الخلاقة في بناء وتشييد دولة المؤسسات التي ينشدها كل الصحراويين.
فهذه الاحداث الامنية التي يعود احد اسبابها في سوء تقدير تطور الجريمة مع انتشار المخدرات واكشاك بيعها وفشل تعامل مؤسسات الدولة مع الظاهرة وغياب رؤية مسبقة بالدور الذي يجب أن تطلع به الاجهزة الامنية في حفظ الامن والاستقرار وحماية القانون لا اثارة المشاعر وتأليب الراي العام، مع التاكيد على رفض كل تصرف يمس بهيبة الدولة او تخريب مؤسساتها والاعتداء على عناصر الامن التي تسهر على حماية المواطنين رغم ظروف العمل الصعبة والتي عادة ما تدفع ثمن هذه المسؤوليات الجسام التي يجب ان تقدر وتشجع من قبل الجميع.
فالرئيس الذي اطلق وعود كثيرة باجتثاث الفساد من جذوره لم يعد امامه من خيار سوى مواجهة الواقع الامني بنفسه والنزول للقاعدة الشعبية لتجنيدها معه لافشال مخططات العدو التي تستهدف الجبهة الداخلية وتضييع الفرصة امام تلك المحاولات وخوض غمار حرب لاهوادة فيها ضد المخدرات والحبوب المهلوسة
وإذا كانت الاجراءات التي اعتمدتها السلطات الصحراوية بعد احداث فوضى مشابهة والمتمثلة في اعلان رفع درجة الاستنفار وجاهزية وحدات التدخل و منع الدخول والخروج من الولايات إلا من البوابات الرسمية، مع وقف استيراد السيارات المحظورة ـ سيارات تويوتا، هيليكس، نيسان رباعية الدفع الجديدة إلا عبر المواني الجزائرية وعدم السماح بالتواجد خارج الولايات بـ 5 كلم
إن هذه الاحداث التي نعيشها في خضم حرب التحرير اذا استمرت بهذا الانفلات الأمني المتكرر فإنها تمهد لبداية جديدة تضع الدولة على المحك و تستنفرها نحو ضرورة التصحيح واعتماد المراجعة و التقييم ، إذ لا يمكن لأيّ متابع للمشهد الداخلي إلا أن يقرّ بأنّ السياسة المتبعة في المجال الأمني تعد أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم الظواهر المشينة و توفير البيئة الحاضنة للفوضى و العنف و حماية الفساد وهي حقيقة تعزز التدهور الأمني الذي لم يعد ضربا من التهويل ،وإنما واقعا مر علينا التصدي له إن أردنا الحفاظ على المكاسب و وحدة الشعب و دعم الاستقرار في المنطقة و إعلاء كلمة القانون.
وهو ما يدفعنا إلى تسلّيط الضوء أكثر على جانب من السياسة الأمنية ودور أجهزتها المختلفة في استتباب الامن و محاربة الخارجين عن القانون و التطرف و تهريب الممنوعات ،في ظل مستجدات أملتها الظروف و إخفاقات أمنية أسس لها غياب القرار السياسي السليم الذي يستند إلى خطة أمنية قوية تتصدي لكل الظواهر و السلبيات، رغم الجهود الضعيفة التي تبذلها المؤسسة الأمنية التي تقاعست عن الدور الريادي الذي تلعبه وحدات جيش التحرير خلال السنوات الأخيرة ،لمحاولة تدارك الوضع ،اعتبارا من الإحساس المجمع على أن تدهور الحالة الأمنية أمر مرفوض وأنّ الحالة التي وصلنا إليها كانت ،نتيجة اختلالات واسعة شهدتها الساحة الأمنية أسس لها غياب الوعي بخطورة المرحلة و ضربات العدو و مخططاته المكشوفة و الهادفة إلى النيل من إرادة الشعب و التأثير على صموده.
ورغم أن كل الظواهر المتفشية و التي لم تسلم منها أعرق و أقوى الدول في العالم ،يراهن الكثيرون على حتميتها عبر التعايش و كأنها قدر مكتوب إلا أن ذلك و بالنظر إلى واقعنا و تعدادنا السكاني يجعلها كلمة حقّ أريد بها باطل.
فالشرطة التي تعد أقرب الاجهزة تماسا مع المواطن تعيش في ظل انعدام الخبرة و غياب التأهيل العلمي لغالبية المنتسبين إليها و انحطاط دورها و تورط أفراد منها في أحداث تتعارض و أسباب و دواعي و ماهية الجهاز أصلا إلى جانب عدم اهتمام السلطة بتطويرها في السنوات الماضية و انعدام رؤية أمنية مستقبلية محكمة تعزز مفهوم الدولة و منطق القانون و العدالة، كل ذلك أثر بشكل سلبي على دورها في حفظ الأمن و التصدي للمخاطر المحدقة .
أما الدرك الوطني فلا يزال يعيش في ظل جل المعوقات و السلبيات التي تعاني منها الشرطة الوطنية، مافتح المجال امام التشكيلات العسكرية التي تعاقبت على التامين بمسميات مختلفة لكن تعاملها الفظ والازمات التي احدثتها كانت كافية لعكس دورها السلبي بدلا من اسهامها في استتباب الامن وسد الثغرات التي يمر منها المجرمون.
الجيش الوطني الذي ظل بعيدا عن أتون الصراعات و المشاكل الداخلية أكره في السنوات الأخيرة على الدخول في المعترك الأمني في سياسة غير موفقة تستند إلى الكم من خلال كثرة الأجهزة الامنية و تفتقد إلى النوع الذي يبقى المطلب الأساس في عمل اي جهاز أمني و لعلى ذلك التداخل بين الاجهزة خلق نوع من التصارع و الاتكالية و تشابك الادوار ومع عودة الكفاح المسلح بات الحسم في توحيد الجهد الوطني وفرض إجراءات رادعة لكل الخارجين على القانون.
و بعيدا عن ذكر إخفاقات الأجهزة و نجاحاتها يبقى القاسم المشترك بين الاجهزة وجود التنافس الضار بين مختلف أجهزة الدولة و غياب التنسيق بينها ،إلى جانب عدم قدرة الدولة على توفير أمن المواطن وانتشار الفساد والظلم و التعاون مع جماعات المصالح ضد النظام و انتشار ظاهرة الاستقطاب في الصراعات الاجتماعية والقبلية.
وضعف الدولة في حماية العاملين بالاسلاك الامنية والخوف الذي اصبح يراود بعضهم من انتقام المجرمين وردات الفعل التي تحدث احيانا وتثير النعرات والتحشدات العائلية مما يجعل رجل الامن خائفا على نفسه من هذا المصير في ظل تقاعس الدولة عن حماية رجال الامن وحفظ كرامتهم الجسدية والمعنوية من السفهاء والمجرمين.
ومع التداعيات الاخيرة بات من المستحيل تحقيق الاهداف الامنية المرجوة بوسائل وادوات قديمة اثبتت فشلها اكثر من مرة، وهو ما يتطلب البحث في الوسائل الناجعة لكبح جماح التحديات المتسارعة، وتاهيل الاجهزة الامنية للتعامل السليم مع المواطنين واحترام حقوقهم وحرياتهم وعدم رهن الجيش في قضايا لا تدخل في صلب الهدف الاسمى الذي تأسس من اجله وهو مواجهة العدو المغربي وتحرير الارض من براثن الغزاة.