اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية مشروع القرار الفلسطيني حول طلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول ماهية الاحتلال الإسرائيلي.
وصوت لصالح القرار 87 دولة، وعارضته 26 دولة، فيما امتنعت 53 دولة عن التصويت.
وقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وهي المناطق التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها، في حرب عام 1967. وانسحبت من غزة في عام 2005 لكنها تفرض حصارا على القطاع بينما تشدد مصر الإجراءات على الحدود.
ومحكمة العدل العليا، ومقرها لاهاي، والمعروفة أيضا باسم المحكمة العالمية، هي أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع النزاعات بين الدول. وأحكامها ملزمة رغم أنها لا تملك سلطة إنفاذها.
وأشار المبعوث الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور إلى أن التصويت جاء بعد يوم واحد من تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة التي على رأس جدول أعمالها التوسع الاستيطاني واتباع سياسات أخرى تلقى انتقادات في الداخل والخارج.
وقال منصور أمام الجمعية العامة “إننا على ثقة بأنكم ستؤيدون فتوى المحكمة عند إصدارها إن كنتم تؤمنون بالشرعية الدولية والقانون الدولي”.
وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية تقديم رأي استشاري حول التبعات القانونية “للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان والضم… بما في ذلك الإجراءات التي تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية ووضع مدينة القدس واعتماد إسرائيل تشريعات وإجراءات تمييزية لتكريس هذه السياسة”.
كما طلب قرار الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية تقديم المشورة بشأن كيفية تأثير هذه السياسات والممارسات على الوضع القانوني للاحتلال وما هي التبعات القانونية التي تنشأ عن هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.
كانت آخر مرة تناولت فيها محكمة العدل الدولية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في عام 2004، عندما قررت أن الجدار الإسرائيلي العازل غير قانوني. ورفضت إسرائيل هذا الحكم واتهمت المحكمة بأن لها دوافع سياسية.
ومن الملاحظ أن التصويت في الجمعية العامة مساء الجمعة قد اختلف عن التصويت على نفس مشروع القرار في اللجنة الرابعة يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. لقد مورست ضغوط هائلة على العديد من الدول لتغيير تصويتها من “امتناع” إلى “لا” أو حتى التغيب عن التصويت.
فقد حصل مشروع القرار في تصويت اللجنة الرابعة يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر على 98 صوتا إيجابيا و17 صوتا سلبيا بينما صوتت 52 دولة بـ”امتناع”. تغيرت الأرقام هذه المرة لتكون نتيجة التصويت السلبي 26 بزيادة تسعة أصوات وانخفاض التصويت المؤيد للقرار من 98 إلى 87 بخسارة 12 صوتا وزيادة عدد الممتنعين بصوت واحد من 52 إلى 53.
وأما الدول التسع التي غيرت تصويتها من “امتناع” إلى تصويت سلبي فهي: كرواتيا، كوستا ريكا، كونغو، توغو، رومانيا، بابوا نيوغينيا، كينيا، ألبانيا والمملكة المتحدة.
بينما تغيبت أوكرانيا التي صوتت مع مشروع القرار في اللجنة الرابعة.
ويتكون القرار من ديباجة طويلة و18 فقرة عاملة أهمها ما جاء في الفقرة الثامنة عشرة التي تكلف الجمعية العامة، وفقا للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، بإحالة مسألة الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية، عملا بالمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة، لإصدار فتوى بشأن التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها الطويل الأمد، واستيطانها وضمها للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي والطابع ومكانة مدينة القدس الشريف، ومن اعتمادها للتشريعات والإجراءات التمييزية ذات الصلة؟
ويطلب من المحكمة أن تصدر فتوى قانونية في أثر السياسات والممارسات الإسرائيلية المشار إليها في الفقرة السابقة على الوضع القانوني للاحتلال وما هي التبعات القانونية التي تنشأ بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة من هذا الوضع.
كما يطالب إسرائيل بالالتزام باتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في مناطق النزاعات ويطالب إسرائيل بوقف كل الممارسات التي تنتهك القانون الدولي والممارسات والأعمال والتشريعات التمييزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يطالب القرار بتأمين الحماية للفلسطينيين تنفيذا لقرار مجلس الأمن 904 (1994) الذي اعتمد بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي. كما يطالب القرار بوقف كافة أنواع الأنشطة الاستيطانية. ويطالب بمعاملة السجناء الفلسطينيين بطريقة إنسانية والالتزام بمعايير المعاملة الإنسانية والعمل على إطلاق سراح السجناء والمعتقلين بالتشاور بين الطرفين. كما أدان القرار أي إطلاق للمقذوفات من الفصائل المسلحة ضد المدنيين الإسرائيليين.
وفي السياق، رحب الفلسطينيون السبت بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مطالبة محكمة العدل الدولية إبداء الرأي بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس “آن الأوان لتكون إسرائيل دولة تحت القانون، وأن تحاسب على جرائمها المستمرة بحق شعبنا، وعلى العالم تحمل مسؤولياته وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى الجميع التوقف عن الكيل بمكيالين”.
وشدد على أن “القيادة الفلسطينية لن تترك بابا إلا وستطرقه لحماية أبناء شعبنا الفلسطيني، ونحن الآن على موعد من محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري قانوني حول المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية”، مؤكدا أن “اللجوء للمؤسسات الدولية حق فلسطيني وسنستمر بالانضمام إلى الهيئات والمؤسسات الدولية”.
وتابع أبو ردينة: “إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن العدالة القائمة على قرارات الشرعية الدولية وعدم الإفلات من العقاب هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم في فلسطين وإسرائيل والمنطقة بأسرها”.
وكتب المسؤول الفلسطيني الكبير حسين الشيخ على تويتر أن التصويت الذي أجري أمس الجمعة “يعكس انتصار الدبلوماسية الفلسطينية”.
ومن جانبها، رحبت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، السبت، بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار، مؤكدة أن “التصويت لصالح هذا القرار التاريخي يعكس انتصارا للدبلوماسية الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، الذي تعرض لضغوط لسحب أو تأجيل القرار، لكنه رفض ذلك وأصر على طرح مشروع القرار، الذي جرى التصويت عليه بالأمس”.
وشددت حركة فتح في بيان صحافي السبت أوردته وكالة (معا) الفلسطينية، على أن “هذا القرار سيكون له تبعاته المهمة لصالح القضية الفلسطينية، حيث أنه سيفتح المجال لمساءلة دولة الاحتلال”.
وأشارت إلى أن “هذا القرار جاء في سياق تنفيذ قرارات القيادة الفلسطينية، لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، وصولا إلى تفكيك هذه المنظومة الاستعمارية، ونظام الأبارتهايد”.
واعتبر رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح التصويت في الأمم المتحدة “انتصارا لعدالة القضية الفلسطينية” بعد يوم من تشكيل حكومة إسرائيل “العنصرية المتطرفة” الجديدة.
وهاجم السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة غلعاد إردان، التصويت الأخير في الجمعية العامة، لكن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن الوفد الإسرائيلي “ارتياحه” من عدول عدة دول عن دعم القرار بالإضافة لتغيب بعض الدول الأفريقية عن التصويت.
(القدس العربي ووكالات)