الشهيد الحفظ ولد محمد مولود ولد محمد سيد أحمد ، أحد الأبناء البررة الذي أفنى زهرة شبابه دفاعاً عن عرض وشرف شعبه وأحترق كالشمعة لينير الطريق ، فقد كان له شرف مواكبة ومعاصرة الحراك الثوري منذ الوهلة الاولى بالمنطقة حيث شارك بفاعلية وهو شاب لم يبلغ سن العشرين بإنتفاضة الزملة التاريخية 1970م ، فأبلى البلاء الحسن وتعرض لما تعرض له أبناء شعبه من ملاحقات وسجن ومضايقات على أيدي سلطات الإستعمار الإسباني ، ومن ذلك الوقت تجذر وعي الشاب الناضج الطموح الحفظ محمد مولود ، وتولدت لديه قناعات راسخة بنشر التوعية داخل أوساط الجماهير وبضرورة البحث عن الطرق والأساليب الناجعة لمواجهة المخططات والسياسات الإستعمارية الغاشمة بالمنطقة.
ساعده حلِّه وترحاله في المدن والمداشر الصحراوية وتلك الموجودة بجنوب المغرب إلى الإحتكاك والإلتقاء والتعرف على نخبة الرعيل الأول الذي أسس الجبهة الشعبية الساقية الحمراء ووادي الذهب ، حيث شارك مع جلهم في المظاهرات الطلابية بمدينة الطنطان المغربية1972م وأنضوى معهم تحت لواء الحركة الجنينية التي مهدت وكان لها الفضل في نشأة الجبهة وإعلان الكفاح المسلح 20 ماي 1973م.
بذل الشاب الحفظ محمد مولود جهوداً جبارة مع غيره من المناضلين في إيقاد جذوة النضال وتعبئة الجماهير وحشد الدعم المادي والمعنوي للثورة ، حيث كان يجوب تلك الأماكن متنقلاً غير آبهٍ بالمصاعب والظروف المحيطة به ، ومن وقت لآخر كان يكلف بمهام سرية تنطوي على مخاطر جمة منها الحصول على السلاح والمؤن ونقلها وتأمينها حتى إيصالها إلى مراكز ومخابيء الثوار مثل الذي كان يوجد بواد (بنزكة) ، وقد أهلته مهارته وخفته وطبيعته المتكتمة ومعرفتة للمسالك والطرق الآمنة وتضاريس المنطقة وبمساعدة أهلها الذين شب وترعرع بين أحضانهم ، كل ذلك ساهم في تأدية مهامه وإنجازها على أحسن ما يرام وبالكيفية التي خطط لها.*
*كان الشهيد الحفظ محمد مولود ، يقود العمليات الفدائية بنفسه ضد المستعمر الإسباني من كتابة الشعارات ورمي المناشير والأعلام الوطنية بشوارع العيون والسمارة ومراكز البوليس و(تربانومادا)ومقرات (كوارطيلات) عساكر اللفيف الأجنبي (الترسيو) وغيرها ، كما عين من طرف التنظيم منسق القطاع العسكري والمدني بشمال الوطن مع تكليفه بتشكيل الفروع الثورية وتوعية وتأطير المواطنين بالأرياف والمناطق الحدودية داخل لجان وخلايا الجبهة ، وقد بذل جهده وماله الخاص وقدم ما يملك خدمة لقضيته ، خاصة ما يحتاجه رفاقه بجبهة القتال من دعم لوجستيكي من أموال وإبل ومواشي وسيارات وغيرها ، وأصبح من أكبر ممولي الثورة والداعمين لها ورجالاتها الأفذاذ ، الذين واكبوا تطورات المرحلة منذ بداياتها الأولى وعايشوا أطوار المخاض والولادة والنمو المطرد للحركة.*
*ولد الشهيد الحفظ محمد مولود ولد محمد سيد أحمد سنة 1953م ، بمنطقة زمور شمال الصحراء الغربية ، وهو سليل أسرة عريقة فاضلة ، عرفت بالكرم والجهاد ، فأبوه محمد مولود الشيخ المقاتل الفذ الذي جرح إبان حرب التحرير مفضلاً الإنتساب لجيش التحرير بدل المكوث بنقاط الحراسة بمخيمات اللجوء ، وجده محمد سيد أحمد البطل المجاهد ، وحاتم زمانه ، شهيد معركة آحفير التاريخية ضد المستعمر الفرنسي ، ففي هذا البيت الذائع الصيت نشأ وتربى الشهيد الحفظ وتتلمذ على يد مشايخ أفاضل منهم الشيخ الجليل إبراهيم السالم ولد لبيظ ولد سيدي بلالي ، والشيخ العلامة أحمد محمود بيد الله والشيخ الفاضل محمد خضير ، عليهم جميعاً شآبيب الرحمة بجوار الشهداء والصديقين والصالحين ، ثم درس طور الإبتدائية ببلدة المحبس ، غير أنه سرعان ماتفرغ لإعالة أسرته بالبادية خاصة سنوات القحط والجفاف ، وفي سنة 1964م ، عاد للدراسة من جديد وهذه المرة بمدينة السمارة حتى سنة 1969م ، إنخرط في شركة الأشغال (كوبيرتا تيخاذا) ، وهو شاب يعج حيوية ونشاطاً ، وكان لنضجه وثقافته السبب في مخالطته لنظرائه من مجتمعه خاصة وأن مدينة السمارة آنذاك كانت من المناطق التي بدأت فيها إرهاصات تشكل الوعي الوطني الثوري الذي سيكون له دوراً ريادياً في إشعال فتيل إنتفاضة الزملة التاريخية 1970م.*
*كما أسلفنا ، كان الشهيد منسقاً عاماً بين القطاعين العسكري والمدني بتلك المنطقة ، وفي مساء 17 نوفمبر 1975م وأثناء تأديته لبعض واجباته متنقلاً مع دورية من الثوار الأشاوس( بروس واد أسكيكيمة) ، إعترضتهم قوة مغربية ودارت معركة شرسة ، أصيب فيها الشهيد بجرح بالغ الخطورة ، وأحدق بهم الخطر من كل جانب ، وعندها أصرَّ الشهيد على رفاقه بالإنسحاب الفوري تجنباً الوقوع في الأسر ، وبقي لوحده ينزف ، حتى حلول الظلام فتنقل متسللاً من مكانه رغم جراحه المثخنة ويقاسيه من آلام ، وفي صباح يوم 18نوفمبر1975م سهلت أثار النزيف تتبع أثره ، حتى تمت محاصرته وخاض لوحده معركة ضارية ، شهد له من كان هناك ببسالته وشجاعته وأنه قتل سبعة من الجنود المغاربة من بينهم ضابط ، قبل أن تخترق رصاصات العدو جسده الطاهر الشريف ليسقط شهيداً نحسبه والله حسيبه بمنطقة (أظميري بواد أسكيكيمة )، مقبلاً غير مدبر بعد أن أدى الأمانة وبلغ الرسالة ، وضريحه بذلك المكان مازالت تفوح منه رائحة الشهامة والبطولة.*
رحم الله هذا الأسد الشهم الشهيد بإذن الله الحفظ ولد محمد مولود ولد محمد سيد أحمد وأسكنه فسيح جناته وكل الشهداء الأبرار وألهم أهله وشعبه جميل الصبر والسلوان.
في الختام بودي تقديم كل الشكر والإحترام والعرفان، لشقيق الشهيد سلامة محمد مولود محمد سيد أحمد على مساعدتي وإعانتي على إنجاز هذه الترجمة .
--------------------
مولود محمد الحسين