بعد ثلاثة عقود من السراب والوهم نتيجة الجهل بكواليس المنتظم الدولي من جهة، وحسن النية والطيبة المبالغ فيها من جهة أخرى، وبعد أن كاد عنق الزجاجة أن يُسد أعلنت جبهة البوليساريو في 13 نوفمبر 2020 أنها في حل من إتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إستئصاله من مخطط التسوية ليُطبق وحده دون بقية البنود وخاصة تنظيم الإستفتاء الذي كان سيسمح بتصفية الإستعمار من الصحراء الغربية، وذلك بعد الخرق السافر من طرف قوات الإحتلال المغربية في منطقة الكركرات.
مضى عام فقط على إعلان المرحلة الثانية من حق الشعب الصحراوي في الكفاح المسلح لإستكمال تحرير الأراضي المحتلة من وطنه بعد خذلان الأمم المتحدة، ومنذ بدايتها (حرب التحرير) بدأ الحصاد والجني ظاهرا بارزا على الساحة الوطنية والدولية وتولى أزيز الرصاص ترجمة تطلعات وآمال الصحراويين وأوضح للعالم الرسالة بدون زخارف ولا مقدمات، ولا يمكن لأي كان تجاهل عظمة هذا الشعب الأبي الصبور المتحرر والتي ظهرت جليا بعد إنهاء الجبهة إلتزامها بوقف إطلاق النار من خلال الحشود الهائلة من جميع الأعمار تحمل أكفانها وتتجمع أمام مقر وزارة الدفاع الصحراوية وتضع أمرها بين أيدي التنظيم الوطني الثوري لتجنيدها من أجل الذود عن حياض الوطن.
وعلى مدار العقود الثلاثة كان الشعب الصحراوي هو الحلقة الأضعف والأكثر إستصغارا وغبنا والمُطالب دائما بالتنازل إلى أن وصل حد التنازل نقطة اللارجعة وبدأ منشار المنتظم الدولي يقتطع أجزاءا من كرامة الصحراويين ويتوطأ ويتواطأ لفرض واقع جديد بوجود غطاء أممي من طرف بعثة المينورسو الأكثر جدلا في تاريخ الأمم المتحدة والتي كان أفرادها يمارسون قلة الحياء أثناء إعتصام المدنيين الصحراويين في الثغرة غير الشرعية بمنطقة الكركرات وهو غيض من فيض من ممارسات لا حصر لها تخلو من جميع الواجبات والأخلاق والمهنية التي كان ينبغي أن تعمل بها هذه البعثة.
وفي إستمرار لنفس النهج المُخجل لمنظمة الأمم المتحدة أعلنت عن تعيين مبعوث شخصي جديد إلى الصحراء الغربية، وهو يُمثل الأمين العام أنتونيو غوتيريس الأكثر جدلا وبُعدا عن مبادئ هذه المنظمة خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء الغربية، وهو الإيطالي الجنسية السويدي الأصل ستافان دي ميستورا، وقد شغل عدة مناصب في المنظمة وأشتهر عنه خبرته في إدارة النزاعات دون حلها ولعل ذلك هو ما تشتهر به المنظمة نفسها وفق تاريخها غير المشرف في قضايا تصفية الإستعمار.
ووجدت جبهة البوليساريو نفسها مرغمة على قبول هذا التعيين كونها ملتزمة ببقية مخطط التسوية الذي لم يكتمل، ولكنها هذه المرة تتعاطى مع الأمم المتحدة وتزاوج بين الموافقة على التفاوض والكفاح المسلح لفرض خيارات الشعب الصحراوي، وهنا نتساءل ماهو المنتظر من مبعوث شخصي تسبقه سمعته وخبرته في المماطلة والإطالة وتمطيط الوقت، ويُمثل أمين عام يتنكر لحق الشعب الصحراوي رغم تطابق قضيته وتماثلها مع قضية تيمور الشرقية التي ساعد في حلها؟؟ وماذا يمكن أن يأتي به بعد قرار مجلس الأمن الأخير الذي لا يختلف عن سابقيه.
وبتمعن بسيط ونتيجة لتجربة مريرة من اللدغ الأممي السام وخيبات الأمل المتكررة والمستمرة حتى الآن رغم تغير الوضع الميداني، ونظرا لأن الأمم المتحدة وأمينها العام ومجلسها للأمن لم ولن ينصفوا الشعب الصحراوي ولم يصنفوه في المكانة اللائقة به أرى أنه ومن باب التعامل بالمثل أن نكون هذه المرة حريصين على أن تصل رسالتنا للمبعوث الشخصي الجديد من يوم وصوله الأول كي لا يجد الوقت ونفوت عليه الفرصة في التماطل والتفنن في إدارة النزاع. ينبغي أن يتم إستقباله بشكل عادي يليق بمقامه وأن لا نحشد له الأطفال والنساء والمقاتلين، وبدل من أن يسمع أغاني وزغاريد الترحيب يجب أن نُسمعه أزيز الرصاص وأصوات المدافع، ومن اللائق لو تم إحتضانه في خيمة عادية ليتذوق طعم اللجوء على أن تزين جدرانها بصور من سبقوه من المبعوثين الشخصيين والأمناء العامون للأمم المتحدة وتُقدم له نسخ مطبوعة من مخطط التسوية الأفريقي الأممي الأصلي، والقرارات الأممية المتعاقبة التي لم يتم تطبيقها، والمقترحات التي طُرحت للحل، وأخيرا يمكن سؤاله هل لديه جديد غير هذا؟؟؟؟
أرى أنه لو وقعنا في الفخ وكررنا ما كنا نقوم به على مدار العقود الثلاث الماضية وأظهرنا للرجل طيبتنا وكرمنا وأكبرناه وضيفناه على طريقتنا ووفقا لأخلاقنا مثل ما فعلنا مع سابقيه ومع الأمين العام الأممي الحالي فإننا نبيع صورة مشوهة ونعطيه إنطباعا خاطئا عنا، سيعتقد مثل ما فعل من سبقوه أنه في عرس وأنه يمكنه العمل على زيادة ليالي الفرح ليستمتع أكثر وهو لا يعلم أنه يرقص على مأساة عمرها أكثر من أربعين عاما، وفي النهاية أرى أن نعمل بالقول الحساني المعروف " سو ألا يوخبر ما يوكبر".
حمادي البشير