إعداد و حوار : أحمد باب لحبيب أباعية.
ككل مرة ما إن يتم الإعلان عن تعيين أو تغيير أو ما اصبح يعرف في الاوساط الشعبية بـــ أفگايع ، حتى ينطلق مسلسل جديد بطله مسؤول أو أكثر ، وخاتمته منصب أو مكسب ، ويحصد متابعة وإهتمام كبيرين لدى عامة الشعب ، تتعدى في أحيان كثيرة أخبار الملتقيات والندوات الرسمية .
وينتشر التفسير والتبرير الشعبي لأبطال المسلسل كل على هواه ، في شتى وسائط التواصل الحديثة ، وسط غياب المعلومة الرسمية المُعتمدة ، ولو عبر وسائل التواصل الإجتماعي .
ويواصل المسؤول والنظام معاً تبادل الأدوار ، في الإساءة لروح الإنضباط والإلتزام ، التى تقتضيها أعراف الثورة وقوانين الدولة .
تداخل السلطات وضبابية الصلاحيات ، والخلط بين الحركة والدولة في الهيكلة والتنظيم والمؤسسات ، تعد سبباً مباشراً في تكرار هكذا إشكالات ، إضافة إلى خيال المسؤولين وأوهامهم في مكانتهم الشعبية وحاجة الحركة والدولة لهم ، وقد يكون من بينهم من يستحق تلك المكانة سِيرةً وتسيير .
إهتمام الرأي العام الصحراوي ، بالمسؤولين ومناصبهم يثير التساؤل ، رغم أن الأشخاص هم ذات الأشخاص منذ عشرات السنين ، يتداولون المناصب في ما بينهم عسكرية كانت أو مدنية ، تلازمهم صفة الركود والرتابة .
” تداول ” يطرح للنقاش ما وراء الإهتمام المفرط للرأي العام الصحراوي بالمسؤولين ومناصبهم بعد كل مؤتمر عام أو تغيير أو مراسيم تعيين ويناقش ضيوفه بالتساؤلات التالية :
– ما السر وراء الإهتمام المفرط للرأي العام بالتغييرات والتعيينات للمسؤولين ؟
– هل هي الرغبة الجامحة للتغيير وحسن التسيير ؟
– أم عقلية المجتمع مازالت جاثمة على التفكير والتعبير ؟
رد الكاتب النخ بدة على تساؤلات الحلقة كان على النحو التالي :
قبل الحديث عن اهتمام الرأي العام بالتعيينات في المناصب والمسئوليات المختلفة، أرى من الضروري إلقاء نظرة متفحصة على الملابسات والمقاصد التي تؤطر لتلك التعيينات.
– في كثير من المواقف شاهدنا أن التعيينات في المناصب المختلفة حادت عن الهدف (الرجل المناسب في المكان المناسب. المسئولية تكليف وأمانة ثقيلة لا تشريف..) ليصبح التعيين استجابة لتوازنات قبلية وتوازنات يمليها ميزان القوى الإجتماعية للأسف الشديد.
– عادة ما تحاول القوى القديمة (قبلية أساسا) أن تجد موطئ قدم لها في النظام الجديد (الدولة، دولة القانون والمؤسسات والمواطنة) لتنسفه من الداخل (لتنسف بمحتوى الدولة). والقوى القديمة في مقاومتها للتغيير تدخل في معركة كسر عظم مع القوى المتطلعة للتغيير المؤمنة بالدولة كبديل للنظام القديم.
لذا يعتبر أي تنازل تقدمه القيادة، المؤتمنة على مشروع الدولة، للقوى القبلية خيانة حقيقية للأمانة، ما لم يكن ذلك التنازل تكتيكي ومحدود التأثير و متحكما فيه من قبل الدولة (يد الدولة دوما يجب أن تكون هي العليا، وما يقدم للقوى القديمة تكتيكيا يجب أن يكون مجرد مسؤوليات هامشية لا تأثير لها في مناصب القرار الرئيسية).
– هذا التأطير النظري لابد منه للحكم على المشهد السياسي في دولتنا. وهو حكم لا يسير في مصلحة قيادتنا للأسف التي سلمت القياد لقوى قبلية أصبحت هي الآمر والناهي في دوائر الحكم، في مفارقة مريرة و تحمل مخاطر جسيمة على مشروعنا الوطني، حين نضع مشروع الدولة “المستقبل” في أيدي حماة القوى القبلية التي تتغنى بأمجاد الماضي وتجرنا إلى ماضي الفرگان المناقض والمناوئ لهويتنا المعاصرة (شعب ودولة).
– حين ندرك هذه الحقائق في سياقاتها الإجتماعية والسياسية يصبح حديثنا عن اهتمام الرأي العام بتوزيع المناصب والمسئوليات أمرا ثانويا، إذ يدخل في سياق سياسة الإلهاء التي تحاول ملأ فراغ السلبية التي تتحكم في واقعنا الراهن حيث تتسيد حالة الجمود لقضيتنا.
– القوى القبلية حتى تحقق أهدافها لابد من أن تفرض رؤيتها السطحية التي تنهل من الماضي والتي تتخذ من التركيبة الإجتماعية القبلية نموذجا. وهي تتغذى على الحمية والنعرات القبلية التي تنسف الدولة من الداخل.
ولتفرض هذه القوى المتخلفة رؤيتها لابد من أن تعمد إلى “تسويق” هذه رؤيتها الهدامة في الشارع لتشكل اهتماما متداولا و “رأيا عاما”.
هكذا يتحول الرأي من الإهتمام بالأهداف الكبرى (الدولة، المواطنة ، المؤسسات، تدبير الشأن العام والبناء واستكمال التحرير) إلى أهداف سطحية تحتفي و تمجد وتهلل للأشخاص ولقدراتهم “المبالغ فيها” رغم أن كثيرا من أولئك الأشخاص كانوا ومزالوا جزءا من القيادة التي أوصلتنا إلى هذا الإنسداد.
– اهتمام الرأي العام حين يصل هذا المستوى المتدني (محوره الأشخاص) يصبح متنفسا للأطر القيادية الممثلة للقوى القديمة (أي القيادات القبلية المتحكمة في مشروع الدولة في مفارقة عجيبة). قد يتساءل البعض كيف يصبح الشارع الذي يفترض أنه ثوري إلى متنفس للقبليين؟ والجواب بسيط؛ حيث أن الرأي العام يتعرض لعملية غسيل دماغ بسبب قصف مكثف في وسائل الإعلام كافة خاصة منها وسائل التواصل الإجتماعي والتي يتم بموجبها إعادة توجيه اهتمامات الرأي العام حتى تتفق و أهواء تلك القيادات القبلية. – هنا تصبح مسئولية القيادات الثورية (إن وجدت أصلا) وإطارات الحركة الواعية والمناضلة مسئولية مضاعفة إذ يصبح من واجبها سياسيا وأخلاقيا إنقاذ مشروع الدولة “المختطف” بأدي القوى القديمة التي تحن إلى الماضي، وإعادة قاطرة الثورة والتحرير إلى سكتها.
وختاما، لا زلت أرفض تركيز الإهتمام على الأشخاص، و ضرورة تكريس كل الجهد على مشروعنا التحرري الوطني.
عيب الدار على من بقى في الدار.
ورد الصحفي ميشان إبراهيم أعلاتي على تساؤلات الحلقة :
شكرا جزيلا لك أخي احمد بابا على الإستضافة و من خلالك الشكر موصول الى كل الزملاء بمجلة المستقبل الصحراوي، بخصوص السؤال المطروح، أعتقد انه ليس هناك سر و لا هم يحزنون بقدر ماهناك شغف يملأه الفضول لدى القاعدة الشعبية و الرأي العام بخصوص التعيينات على مستوى هيكلة الحركة والدولة، إلا أن خلفية الإهتمام تختلف من شخص لأخر بحسب ميولاته و إهتمامه، وسؤالك يحمل في طياته نصف الإجابة، ذلك ان البعض يتنظر الكشف عن قائمة التعيينات بناءا على رغبة في حدوث تغيير منشود من خلال توظيف الكفاءات وتسخيرها لخدمة القضية و المشروع الوطني بالإعتماد على التجديد و التشبيب ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب لخلق واقع جديد يتجدد معه الأمل في غد أفضل.
في المقابل هناك طرف أو بالأحرى أطراف اخرى تنتظر تلك التعيينات بناءا على رغبة شخصية للظفر بمنصب “مكسب شخصي” ولو ان القاعدة تقول “المسؤولية تكليف وليست تشريف”، وفي نفس الإتجاه هناك أشخاص ينتظرون التعيينات بناءا على مصلحة ذاتية بخلفية قبلية في بقاء شخص بعينه في منصب أو ظفره بمنصب أكبر ليكون له نصيب و منفعة من تلك التعينات بحس التركيبة والرسكلة لكل تشكيلة.
و انطلاقا من هذا الطرح ينقسم الرأي العام في العادة الى نصفين على طرفي النقيض، طرف يمدح التعينات و طرف “يقدح” بمعنى ينتقد تلك التعينات كل بحسب خلفيته التي تحدثنا عنها.
و في الحقيقة أن التعينات عندنا سواء على مستوى الحكومة أو السلك الدبلوماسي او على مستوى الهيئات الإدارية و المؤسسات يشوبها في الغالب الكثير من الشوائب و العيوب والتكتم و السرية، و تخضع للعديد من الحسابات الضيقة التي تعتمد على الزبائنية و القبلية كمعيار أساسي في تولي أي منصب “المحاصصة القبلية” على الطريقة اللبنانية، وهنا لا أتحدث عن الموالاة للقضية الوطنية و المشروع الوطني بقدر ما اعني الموالاة لشخص الرئيس و حاشيته، و في ما يخص الشق القبلي الذي كان بلاء على الشعب الصحراوي، يبدو أنه كان نهج للرئيس الراحل محمد عبد العزيز إستخدمه كوسيلة لإسترضاء الشيوخ و القبائل بحسب المكانة الاجتماعية والتعداد البشري، و قد كان الكثير من الشباب الطموح ذو الكفاءات الفذة ضحية لتلك السياسة التي لازالت و للأسف قائمة الى غاية اليوم بعد ان تم تبنيها من قبل الرئيس الجديد بهندامه القديم بعقليته و السيء جدا في تسييره.
اضافة الى ذلك فقد تم إستخدام مسألة التعينات ـ في العهدين ـ كوسيلة لتصفية الحسابات الضيقة و الضرب من تحت الحزام و كوسيلة للنفي و الإبعاد و العقاب حال ما يكون “الزعيم الهمام” في حالة غضب من أي مسؤول مهما كان مستواه الترتيبي في سلم السطة، و لنا امثلة كثيرة في واقع المنفى الذي نعيشه، حيث تمت معاقبة الكثيرين من الإطارات السامية بسبب عدم رضا الزعيم عنهم بالرغم من حسن سيرتهم وتسييرهم، و في المقابل تمت ترقية البعض الأخر و تكريمه بالرغم من سوء التسيير و حجم الفضائح التي ميزت سيرة الكثير من إطارات البطانة السياسية و الموالاة، وقد كان لهذه العشوائية و الرغبة الذاتية للرئيس أثر رجعي على بعض المسؤولين و الإطارات التي تبنت سياسة “لفقايع” على المناصب التي يتم تعينهم فيها، وذلك كنوع من التعبير عن عدم الرضى بتلك المناصب سواء بسبب حب الذات و الترفع ـ اللي ماهو في بلدوـ او بسبب حجم المنصب و حساسيته، و قد كانت بداية هذه السياسة مع “أفقايع” ايوب لحبيب و البشير السيد، و اللذان شكلا آنذاك استثناء بتمردهم على أوامر النظام او بالأحرى اوامر الراحل، ولكن الحقيقة ظهرت مع الأيام و تبين ان حقيقة “لفقايع ” ليست بسبب المصلحة العامة و لا من اجل عيون القضية بقدر ما كانت بدافع ذاتي و مصلحة شخصية، و خير دليل ان أحدهم أصبح الأن “خائن” بين احضان العدو و الأخر بقى في المستنقع ولكنه لم يرتقي لطموح شعبه بل ظل مثله مثل غالبية “التبتابة” الذين يتاجرون بالقضية الوطنية و هموم الشعب الصحراوي ويبنون ذاتهم و أموالهم ومصالحهم على حساب معاناة المواطنين البسطاء بالمخيمات و المناطق المحتلة، واعتقد من وجهة نظر شخصية انه كان لهذا الأخير دور كبير في وقوع احداث كبيرة و بارزة كنا في غنى عنها لما لها من اثر سلبي في شق و تشتت وحدة الصف الصحراوي، والسبب الديكتاتورية الزائدة عن اللزوم والغرور و العنجهية، و بهذه المناسبة سأكشف لك سر لم يسبق و ان تحدثت به، وهو دليل إدانة وإثبات الحجة على صحة ما اقول، والسر عبارة عن وثيقة بخط يد “للرجل الثاني في العلن و الأول في الواقع سابقا في الجبهة” وهي رسالة تعود الى سنة 1976 موجهة الى الرئيس الراحل محمد عبد العزيز تحمل الكثير من الأوامر و بالتفصيل لأسماء و أشخاص يطلب نقلهم من مناصب لمناصب آخرى و أسماء بارزة وضعت تحت المراقبة و تم الخط عليها بخط أحمر تحت بند “محل شك”، مما يعني أن مسألة التعيينات خاضعة ومنذ أول حكومة أعلنت في 5 مارس 1976 الى عدة معايير لا تخدم القضية الوطنية و لا مصلحة الشعب الصحراوي، بل تخضع لمنطق القبيلة و التفكير الفرﯖاني عملا بمقولة “الدم المناسب في المكان المناسب” وهو أمر مؤسف ومحزن في آن واحد.
و بهذه المناسبة ومن باب التذكير لأن الذاكرة الشعبية “العروبية” ضعيفة تنسى بسرعة، دعني أقدم لك و للقراء مقتطفات من مقال سابق يعالج هذه النقطة بالذات، بعنوان “جا إكحلها أعورها” نشر في العدد 14 من أخر نسخة ورقية لمجلة المستقبل الصحراوي الصادر في مارس 2010 وفيه :
ولتعيميم الفائدة نقول بان معاجم الأكاديمين و العارفين بخبايا السياسة و مكائدها يرون بان أهم الأهداف المرجوة لأي دولة مهما كان حجمها ومدى قوتها من إنتهاج السياسة الخارجية وأليتها الدبلوماسية هو إثبات الوجود على مستوى الساحة الدولية، و يرى هؤلاء الخبراء أنه لن يتأتى ذلك ما لم يكن هناك عنصر بشري يحوز من الكفاءة و الحنكة ما يمكنه من الصمود في وجه العواصف المتأتية و المدمرة العابرة للحدود، ويعني هذا ان العنصر البشري الذي لم توفق جبهة البوليساريو و إلى حد اليوم من الإستثمار فيه أصبح هو العمود الفقري في أي حراك سياسي او اي تغيير منشود، غير ان واقع الحال يثبت مرة اخرى أن العشوائية و سياسة “خلطها تصفى” و “أنرظيك وتسكت” كانت هي السائدة، و أن النسق العقيدي السياسي للقائد أو المسؤول عن مثل هذه المهازل كان مبلور منذ البداية على مبدأ “هذا ولد من؟” !! أو “هذا من أي القبائل؟” لخلق توازن قبلي لا يفصله عن الوهم إلا الحبر الموجود على الورق أو “التخرميزة” الموجودة أسفل المرسوم.
وما يؤكد ذلك أن مجمل القوائم التي إقترحها من هم مقربون من “البيه الزعيم” لسبب أو لأخر ظلت لأشهر تنتظر تحمص وموافقة هذا الخير، و من مجمل ما يمكن قوله أنه قد حصلت وساطات و تبادل مصالح و رد للجميل ضمن قائمة المبشرين بالمناصب و المكاسب، و يضاف الى ما سبق ان من أشرف على هذه التغييرات حاول و لأول مرة أن يأخذ المستوى التعليمي و التكوين الأكاديمي و التجربة كمعيار ـ و هذه خطوة تحسب له و لا يجب أن ننكرهاـ لكن صديقنا هذا و بحكم إنسياقه وراء حدسه المتواضع “جا إكحلها أعورها” لأن هذا الخيار أو المعيار المعتمد شمل أكاديمين وكتاب و أساتذة يشغلون مناصب متواضعة ولكن فعالة داخل الدولة الصحراوية، ومن جهة أخرى مناصب سامية في عدة دول اجنبية الشيء الذي يمنحهم فرصة خدمة القضية الوطنية خاصة في ظل تبلور مفهوم جديد و آلية فعالة تعرف بالدبلوماسية الشعبية التي تعتمد العفوية و التكتيك و الإحتكاك المباشر الشبه يومي مع فعاليات المجتمع المدني، على عكس الدبلوماسية الرسمية التي يبقى طابع البروتوكولات الرسمية المتسم بالجمود ـ و التي لازلنا و للأسف الشديد لا نفقه أبجدياتها، و الحكم هنا شامل للجميع من القمة للقاعدة وهو موضوع اخر فيه من المأخذ و الفضائح و الطرائف ما يندى له الجبين وهذا موضوع طويل وعريض “وخير إتم الا مغطي” ، يضاف الى ذلك الحافز المادي و الذي لا يمكن و بأي حال مقارنته مع الميزانية المتواضعة التي تخصص لتمثيلياتنا وسفاراتنا عبر العالم، و التي لا تغطي كامل مصاريفها وهذا بحسب الصريحات الرسمية للكثير من الممثلين و الدبلوماسيين الذين حول بعضهم ـ وأشدد على بعضهم لأن الحكم ليس بصفة عامة ـ التمثيليات و السفارات إلى وكالة للطلبة “مد ليد” بإسم الشعب لصالح جيب الممثل وحاشيته، في حين أن أخرين حولوا هذه التمثيليات و السفارات الى سكنات إجتماعية تغطي علاقات حميمية مع “أجنبيات”، و قد تطورت هذه الظاهرة في ما بعد لتشمل مسؤولين كبار و موظفي المؤسسات والوزارات في الرابوني ـ وكم أتمنى أن تكون هذه القاعدة شاذة و ليست عامة ـ .
و بالعودة الى قائمة التعينات فقد كان من المفروض أن تضم قائمة المبشرين أولائك الخريجين في هذا المجال و الذين يتقنون أكثر من لغة اجنبية وهم القابعون الأن بين رفاف “أحيوط الرابوني” أو بين صفوف “لمراصي” من المرصة، خاصة و ان هذه المؤسسة ـ إكثر خيرها و فظتهاـ بدأت ومنذ بداية الألفية في إستقطاب اكبر عدد من الخريجين مقارنة مع مؤسسات الدولة في ظل تنامي لظاهرة البطالة وشبه إكتظاظ للطبقة المتعلمة و المثقفة “اللي مسكنة الطبالي” إلا ان الخطوة جاءت عكس ما كان متوقع ومأمول بمعنى انها كانت حقيقة بمثابة “الرقعة المتخطية الشق”.
ومن الطرائف في الموضوع ان كثير ممن شملهم التغيير قد رفضوا و لعدة أسباب الإنخراط في هذه اللعبة بل منهم من إنتقد شخصيا هذه الخطوة عبر عدة مقالات مطولة نشرت وقتها في الإنترنت وقد اجمعوا على انها عثرة في رحلة الدبلوماسية الصحراوية، و لكل منهم مبرر قد يكون منطقي بالنسبة له و قد لا يكون كذلك بالنسبة لنا، و من تلك المبررات ان التمثيليات و المكاتب الحساسة ـ من حساسية المنفعة المادية وليس الحساسية السياسية ـ قد أوكلت مهمتها للمقربين و”الأهل و الأحباب” عملا بمقولة “الأقربون أولى بالمعروف” ولكنها هنا في غير محلها ولا موضعها.
وقد كان من المفترض أيضا ان يكون هذا الشبه الحراك ـ الذي شد “اعراقيبنا” ومص دم دبلوماسيينا ـ بمثابة “الترمومتر” الذي يحدد أفق العملية السياسية ضمن الواقع الداخلي المعقد بمجمله و الذي لم يعد يحتمل بإعتراف جل المواطنين البسطاء خاصة مع تزايد ضغوط و متطلبات مرحلة اللاسلم و اللا حرب “مرحلة السلب و النهب و السيبة” و كان من المفترض ان يكون هذا “الترمومتر” محدد لمسار القضية الوطنية على مستوى العلاقات الدولية بتجاذباتها و ضغوطها التي لا ترحم الضعفاء و المرتجلين، و ان يكون حراك حقيقي و تغيير عميق يعبر عن مدى إرتقاء الفكر السياسي للقيادة ـ والشبه منعدم ـ ، و ان يعبر عن مدى مواكبة القادة و الأفراد و الهيئات للتطورات الحاصلة إقليميا و دوليا ومدى إقترانهم وإقترابهم و من الأهداف و المثل الثورية التي آمنو بها منذ الغزوا الإسباني للصحراء الغربية مرورا بالإحتلال المغربي، و التي نذروا حياتهم لها قديما أما حديثا فالله وحده أعلم، غير أنه و للأسف الشديد لم تكن هذه التعينات بذلك المستوى الطموح ولا بمثابة ذلك الترمومتر.
وعمومًا يمكن الإقرار بأن ممارسة أي حركية حية تستلزم متابعة و مراقبة و تقويما ونقدا في الأداء و الترجمة الفعلية في الواقع وهو ما لم يعد قائم ولن تقوم له قائمة ما لم تتغير الذهنيات القبلية، ولا يمكن ابدا أن تكون من أبجديات القادة السياسيين عندنا، لأن طموحهم اليوم أصبح لا يتجاوز آلية البحث عن الكيفية التي تضمن تحويل مؤسسات دولة المنفى وتمثيلياتها المتواضعة إلى دكاكين و مستثمرات خاصة تعود بالربح الكبيرة والوفير على المسؤول عنها ولو مؤقتا طالما هو يمسك زمام التسيير، و لن يتأتى لهم ذلك طبعا إلا في ظل إستمرار مآسي اللاجئين الصحراويين القابعين بكل ثبات و صمود على “أحمادة تيندوف” وليس ذلك من أجل عيون هؤلاء “البزناسة” عفوا القادة و القيادة، و إنما عن قناعة لا تزعزعها المادة و لا الدنيا وإغراءاتها وعملا بالوفاء لعهد الشهداء الأحرار.
وختاما نتمنى ان يتبلور و ينضج المستوى الفكري و السياسي لقيادتنا “الرشيدة”، خاصة و ان الأوان قد حان لتثبت ذلك بعد مرور اكثر من 32 سنة وهم يتناوبون وبشكل مفضوح و علني على مناصب “الزيقزاق” الشيء الذي كان من شأنه أن يوفر لهم الخبرة اللازمة ويعوضهم النقص على مستوى التكوين، خاصة في ظل غياب “اللي ما يسمى و ما ينذكر” ـ التداول الديمقراطي ـ مما يتيح لهم الديمومة في المناصب الشكلية إلى أن يحين لقاء عزرائيل ومنه الى الرفيق الأعلى، و إلى أن يحين ذلك نقول وبصوت عالي :
لا أمل و لا رجاء في من خان الأمانة ونكث عهد الشهداء .
المصدر: المستقبل الصحراوي