تأليف: إيزابيل لورينصو
ترجمة: ناجي محمد منصور
يغيب أي ذكر للمناطق المحتلة من الصحراء الغربية عند البحث عن معلومات عنها في مختلف هيئات الأمم المتحدة مثل اليونيسكو واليونيسيف. مع العلم أنها مدرجة في لائحة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في انتظار انهاء الاستعمار منها.
ولم تكن النتائج مرضية عند بحثنا في مواقع آليات حقوق الإنسان المختلفة ولجنة تصفية الاستعمار، رغم أن حدة الصمت المطبق حيال إقليم الصحراء الغربية خفت نوعا ما، مقارنة بما هو عليه الحال في منظمتي اليونيسكو واليونيسيف.
ولهذا فإن الأمم المتحدة وهيئاتها لم تزر الإقليم إلا لماما منذ الغزو المغربي في شهر نونبر من سنة 1975، الذي صار بموجبه الصحراويون تحت رحمة نظام الاحتلال المغربي. ولم يستفد الصحراويون شيئا من وجود بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية منذ سنة 1991، التي لم تُدرج في مهامها حماية الصحراويين من الانتهاكات المستمرة لحقوقهم الإنسانية وسلامتهم الجسدية التي ترتكبها المملكة المغربية.
ولهذا فإن لجنة تصفية الاستعمار، المعروفة بلجنة الأربع والعشرين، لم تزر الإقليم قط حتى شهر ماي من سنة 1975 قبيل الغزو المغربي، عندما كانت الصحراء الغربية، بحكم الأمر الواقع، تحت الوصاية الإدارية لإسبانيا، التي صنفتها باعتبارها المقاطعة الإسبانية الخامسة والثلاثين. وقد جاءت الزيارة بعد مضي اثنتا عشرة سنة من تصنيف الأمم المتحدة إقليم الصحراء الغربية "إقليما غير مستقل ينتظر تصفية الاستعمار"، بموجب القرار الأممي رقم 1514 (XV) الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 14 دجنبر 1960.
منذ ذلك الحين، مرورا باتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، وإلى يوم الناس هذا لم تزر اللجنة الصحراء الغربية مرة أخرى، ذلك الإقليم غير المستقل المدرج في لائحة تصفية الاستعمار، وأصبحت تكتفي بالاستماع لمطالب الطرفين في اجتماع يتكرر كل سنة، دون أن يكون له تأثير ملموس على الوضع في الإقليم.
ما العلة وراء عدم زيارة لجنة الأربع والعشرين الصحراء الغربية؟ لقد انقضت خمس وأربعون سنة على تقريرها، ولم تنجز أي متابعة للوضع بالإقليم. إنه أمر غير معقول ويعتبر دليلا على غياب الإرادة الجدية لدى الأمم المتحدة لإنهاء الصراع، بل إنها بفعلها ذاك تساهم في إطالته.
أما منظمة اليونيسكو فحدث ولا حرج، فرغم أن موقعها الإلكتروني يظهر فيه إقليم الصحراء الغربية، إلا أنها تجهله جهلا تاما. ويتضح سبب ذلك الجهل، عندما نعلم أن مديرة تلك المنظمة هي أودري أزولاي، التي تنتمي لفرنسا الدولة العضو في مجلس الأمن الدولي، التي تقدم دعما غير مشروط لنظام محمد السادس، ومنعت إدراج مراقبة حقوق الإنسان والتبليغ عنها في مهام بعثة المينورسو. كما أن مديرة منظمة اليونيسكو هي ابنة المغربي أندري أزولاي مستشار ملك المغرب.
ولا تملك اليونيسيف أيضا أي معلومات عن الأقاليم الصحراوية المحتلة، ولا يوجد أي حضور للمنظمة في تلك الأقاليم. والمعلومات التي بحوزة اليونيسيف تتعلق فقط بالصحراويين الذين يوجدون في مخيمات اللاجئين الصحراويين قرب مدينة تندوف الجزائرية.
وقد تفادى المبعوثون الشخصيون للأمناء العامين للأمم المتحدة زيارة المناطق المحتلة من الصحراء الغربية طيلة أربعين سنة، أو عرقل المغرب زيارتهم للإقليم. باستثناء المبعوثين الشخصيين؛ الأمريكي كريستوفر روس الذي قام بزيارة للمناطق الصحراوية المحتلة سنة 2013 تزامنت مع قمع وحشي للمتظاهرين الصحراويين، والألماني هورست كوهلر الذي زار الإقليم سنة 2018. إلا أن هذا الأخير وقع في زلة عدم الإشارة في تصريحاته للصحافة للمظاهرات الواسعة التي نظمتها الجماهير الصحراوية للمطالبة بالاستقلال، وكذا القمع الذي مارسته قوات الاحتلال المغربي أثناء زيارته للمدن المحتلة.
وأوفد ديوان المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان بعثة تقنية سنة 2006، قامت بإعداد تقرير استخلصت فيه الحقيقة التالية: كل انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية سببها انتهاك حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
وقد نظم ديوان المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان زيارة تقنية ثانية للمناطق المحتلة من الصحراء الغربية، لبحث انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة التي يقوم بها المغرب في الإقليم. وقد تم تنظيم بعض الاجتماعات مع المنظمات الصحراوية غير الحكومية المعنية بحقوق الانسان في منزل الناشطة الصحراوية المعروفة أمينتو حيدار. وقد كان منزل هذه الناشطة محاصرا بالكامل من طرف شرطة الاحتلال المغربي، التي رشق عناصرها منزل أمينتو حيدار بالحجارة، بل لم تسلم من بطشهم سيارة من سيارات الأمم المتحدة. وقد استطاعت بعثة الأمم المتحدة الخروج من المنزل والعودة للفندق بعد تدخل بعثة المينورسو.
وأثناء زيارة البعثة نُظمت العديد من المظاهرات في شوارع العيون المحتلة المطالبة باحترام حقوق الإنسان، واضطلاع بعثة المينورسو بمهمة حماية حقوق الإنسان، وإطلاق سراح السجناء المدنيين الصحراويين. إلا تلك المظاهرات قُمِعت بشدة من طرف القوات المغربية.
إلا أن تقرير تلك البعثة لم يُنشر أبدا، بل ابتلعته دهاليز مكاتب الأمم المتحدة في جنيف.
وترى أميمة عبد السلام، ممثلة جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة في جنيف، أن المغرب حاول تحييد بعثة السلام من القيام بمهمة حماية حقوق الإنسان بالصحراء الغربية، عبر تمكين آليات الأمم المتحدة وإجراءاتها الخاصة المعنية بحقوق الإنسان من القيام بتلك المهمة. ولإفشال هذه المناورة المغربية فقد أرسلت جبهة البوليساريو سنة 2013 خطابا إلى كل الإجراءات الأممية الخاصة تطلب فيه رفض أي طلب مغربي لتلك الإجراءات بزيارة المناطق المحتلة. ولهذا فقد كانت الزيارة التي نُظمت سنة 2016 هي آخر زيارة للإقليم.
وقد تحدثت ممثلة جبهة البوليساريو في جنيف عن إيفاد المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان ثلاث بعثات تقنية عامي 2014/2015، اثنتين زارتا المناطق المحتلة وأخرى زارت مخيمات اللاجئين بتندوف. إلا أنها أعربت عن أسفها لعدم نشر تلك البعثات لتقاريرها إلى حدود الساعة.
توجد قوات منظمة الأمم المتحدة حاليا في الصحراء الغربية تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، حيث تراقب تلك القوات الأفعال الإجرامية التي تقوم بها قوات الاحتلال المغربية، من قبيل اعتقال الصحراويين، وتعذيبهم، وإبادتهم.
والعذر الذي تواري به بعثة المينورسو سوءة "النأي بالنفس" أو "عدم حماية" المدنيين الصحراويين هو أنها لا تملك تفويضا في مجال حماية حقوق الإنسان. وهو عذر أقبح من ذنب في كل الأحوال. لأن سياسة "النأي بالنفس" التي تنهجها بعثة المينورسو في ملف حقوق الإنسان بالمناطق الصحراوية المحتلة ليست "حياداً"، بل تساهم في تعزيز الموقف المغربي وتدعم دعماً جرائمه المرتكبة في حق الصحراويين.
وقد قالت ميشيل باتشيليت المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان في معرض افتتاح الدورة الخامسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان أنها "تأمل مناقشة" معايير بعثة تقنية جديدة لإيفادها إلى الصحراء الغربية من أجل "تحديد المسائل الحاسمة المتعلقة بحقوق الإنسان" في الإقليم.
وقد صرحت المسؤولة الأممية عن حقوق الإنسان بأن "هذه البعثات تقوم بدور حيوي لتحديد المشاكل الحرجة المتعلقة بحقوق الإنسان" وتساهم في "الحد من الانتهاكات" في الصحراء الغربية المحتلة.
وقد أضافت المسؤولة الأممية في معرض حديثها عن الوضعية الحرجة "أتمنى مناقشة معايير زيارة جديدة مع كل الأطراف في المستقبل المنظور". وأَضافت قائلة: "سنواصل رصد الوضعية في الصحراء الغربية عن بعد، حيث أوفدنا بعثاتنا التقنية هناك منذ خمس سنوات". وقالت أيضا بأن بعثات مجلس حقوق الإنسان الأممي التقنية "ذات طابع حيوي" بالنسبة للصحراء الغربية.
ولا تملك منظمة الصليب الأحمر الدولي أي تمثيلية في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية. وآخر زيارة قامت بها هذه المنظمة للإقليم كانت سنة 2001 حسب ما هو منشور في موقعها الإلكتروني. وقد تم إرسال عدة نداءات دون فائدة لمنظمة الصليب الأحمر الدولي ليس لزيارة المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، بل أيضا زيارة السجناء السياسيين الصحراويين القابعين في السجون المغربية، سواء في الصحراء الغربية أو في المغرب.
وينطبق الأمر نفسه على منظمة الصحة العالمية، التي لا تملك بدورها أي حضور في المناطق المحتلة ولم تقم بأي زيارة هناك. ويغيب أي ذكر للصحراء الغربية في موقع منظمة الصحة العالمية المخصص لتتبع وباء فيروس كورونا المستجد في كل دولة من دول العالم.
كيف يعُقل هذا الصمت المطبق حول آخر مستعمرة في افريقيا؟
وكيف يعقل أن تبقى يد المغرب الطولى تبيد شعبا دون حسيب ورقيب؟