القائمة الرئيسية

الصفحات

كاسترو والقضايا العربية .. وهج الثورة ومساحات التأثير


من الطبيعي أن تحزن فنزويلا ثلاثة أيام على الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ولكن الحداد على روحه لمدة ثمانية أيام في الجزائر يعني أن رمزية الراحل تجاوزت مقتضيات الجغرافيا، لتسكن المناطق التي عزفت لحن الحرية في مختلف بقاع الأرض.
وشائج الثورة التي تجمع كوبا بالجزائر عبّر عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالقول إنه "فقد رفيق درب لأكثر من 50 سنة، وإن رحيله خسارة أيضا للشعب الجزائري الذي تربطه علاقة خاصة بالقائد".

هذه العلاقة تشكلت أيام ثورة الجزائريين ضد المستعمر الفرنسي، لأن كاسترو الذي قادته الثورة للسلطة عام 1959 كان سندا قويا لحركات التحرر.

بُعيد إعلان استقلال الجزائر بأشهر عام 1962، حلَّ رئيسها الأسبق أحمد بن بلة في هافانا وكان موضع تبجيل من كاسترو، لتتعزز بعدها علاقات الجانبين في مختلف المجالات.

وفي طلته الأخيرة على الكوبيين، كان كاسترو يرتدي لباس المنتخب الجزائري، وذلك في 13أغسطس/آب الماضي خلال احتفاله بعيد ميلاده التسعين، في دلالة رمزية على عمق علاقات الجانبين.

لكن الجزائر ليست بدعا في هذا الجانب، فكاسترو -الذي رحل الجمعة الماضي- ظل موضع تقدير في القاهرة ودمشق وبغداد وطرابلس وعدن ومدن عربية أخرى تحمد له ثوريته وتحديه لواشنطن لأكثر من خمسة عقود.

وبما أن أجواء الشرق الأوسط يلبدها الحنق على الولايات المتحدة الحليف الوفي والأبدي لإسرائيل، كان عدو واشنطن الأول صديقا حميما وقائدا ملهما للشعوب العربية وزعاماتها في النصف الثاني من القرن العشرين.

مقاطعة إسرائيل

ومن خلال مواقفه العابرة للقارات، ارتبط كاسترو بعلاقات قوية بالزعماء الراحلين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين وياسر عرفات ومعمر القذافي.

تعززت صورة كاسترو في الذهنية العربية عندما رمى بإسرائيل في مرمدة أعقاب السجائر الكوبية، فأعلن قطيعتها في 9 سبتمبر/أيلول 1973 على هامش المؤتمر الرابع لحركة دول عدم الانحياز المنعقد في الجزائر.

وطيلة مسيرته في السلطة الممتدة لأكثر من خمسين عاما، ظل كاسترو نصيرا للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وقدم دعما قويا لمنظمة التحرير الفلسطينية بزعاماتها وفصائلها في مختلف المجالات.

وفي عام 1973 حلّ الثائر الكوبي ببغداد فاحتفا به الزعيمان أحمد حسن البكر وصدام حسين، لتواظب كوبا بعدها على مؤازرة العراق في محنه وتكالب العالم عليه، فرفضت حصاره في التسعينيات وغزو الأميركيين له في 2003 تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل.

وفي عام 1975 فاحت روائح التبغ الكوبي في أرجاء عدن اليمنية، عندما حضر كاسترو لتدشين كلية للطب بتمويل منه لمؤازرة "الرفاق الاشتراكيين".

وفي مناسبات مختلفة ظهر كاسترو في صور مع ثلاثة من زعماء ما كان يسمى حينها باليمن الجنوبي، هم: سالم ربيع علي، وعلي ناصر محمد، وعلي سالم البيض.

صداقة وقناعة

وإلى جانب بغداد وعدن والجزائر، حلّ كاسترو ضيفا عزيزا في دمشق والدوحة وطرابلس، وتمسك بصداقته للعرب وقناعاته بعدالة قضاياهم في مواجهة "غطرسة الغرب".

لكن كاسترو لا ينتظر إجماعا عربيا حتى يتبنى أي قضية يرى أنها تتسق مع المبادئ التي انتفض من أجلها وقادته للنفوذ في أميركا اللاتينية والتسلل إلى وجدان الشعوب في أفريقيا والشرق الأوسط.

ففي النزاع حول الصحراء الغربية، كان فيدل كاسترو جسورا في دعمه لجبهة البوليساريو التي فتحت لها كوبا سفارة الجمهورية العربية الصحراوية وتقيم معها علاقات دبلوماسية وتبادل للسفراء دون اكتراث بمشاعر الرباط وحلفائها الكثر في الشرق والغرب.

ولسنوات طويلة تمسك كاسترو بأن "الشعب الصحراوي يعيش تحت الاحتلال"، فقدم دعما سخيا للبوليساريو واستقبلت المدن الكوبية أفواجا من الطلاب واللاجئين الصحراويين.
وعندما تمرد جنوب السودان على الشمال مجددا عام 1983، باركت كوبا كاسترو "يسارية" جون قرنق فقدمت لرفاقه دروسا مكثفة في حرب المدن والعصابات.
ولعل من حسن حظ المارد الكوبي أنه ألقى عصا السلطة في 2006، أي قبل أربعة أعوام من اندلاع ثورات الربيع العربي فتجنب امتحان: خذلان الشعوب المظلومة، أو مسايرة "النفاق الأميركي" الذي طعن المصريين والسوريين والليبيين في نهاية المطاف.
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...