بقلم: لحسن بولسان
لم يفاجأ الشعب الصحراوي بموقف فرنسا التقليدي الرامي دوما إلى الالتفاف على الشرعية الدولية بالصحراء الغربية. والقول إننا لم نفاجأ لا نحن أبناء الشعب الصحراوي ولا العارفين بخلفيات ومرامي الساسة الفرنسيين هو ناتج عن إدراكنا انه لم يكن لدى الشعب الصحراوي في أي يوم من الأيام أية أوهام حول حقيقة الموقف الفرنسي أو مدى التزام باريس بالدفاع عن المغرب ورعايته.
فسجل فرنسا حافل في الانحياز التام خاصة وأن هذا الانحياز قد لعب الدور الأول والأساسي في مجلس الأمن لتقويض كل القرارات التي تهدف لتكريس لوائح المجموعة الدولية المتمسكة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، مرورًا بكونها العاصمة الأولى التي أعلنت دعمها للرباط وهي تقتل وتشرد الصحراوين, بل صاحب ذلك الإعلان تقديم الدعم المادي والبشري لتقتيل الصحراوين المتواصل وتنامي الدعم حتى وصل إلى تحالف إستراتيجي: عسكري واقتصادي وسياسي بدرجة غير مسبوقة.
وأكدت الأوساط الفرنسية على ذلك التحالف دون أية تحفظ. كما عملت على تقديم الدعم المتواصل علها تضمن تفوق المغرب إقليميًا على جيرانه. وسارعت فرنسا لإنقاذ المغرب من خلال الدعم المالي الفرنسي الذي زاد عن ملاين الدولارات، وتبرير حرب الإبادة والتطهير ضد الصحراويين تحت ذريعة "الدفاع عن الوحدة الترابية " للمغرب ، ودعم هذا التبرير بإرسال ضباط فرنسيين للإشراف على تخطيط بناء حزام الذل والعار الذي تحداه المقاتلون الصحراويون بكل بسالة وشجاعة كما فعلت المقاومة الصحراوية سنة 1912 ضد الاستعمار الفرنسي في معركة لكليب لخضر ببلدة التفاريتي التي تتأهب لاستضافة الفعاليات الرسمية للذكرى الواحدة والثلاثين لإعلان الجمهورية الصحراوية.
وخلاصة القول مكن أن يقال الكثير عن تاريخ وحجم العداء الفرنسي للشعب الصحراوي وقضيته وحقوقه الوطنية المشروعة، ويمكن إيراد الكثير من الأمثلة على الانحياز الفرنسي للرباط ومساندتها سياسيًا واقتصاديا وعسكريًا، طوال أكثر من ثلاثة عقود متعاقبة، لكن هذا العداء والانحياز أصبح اليوم واضحًا وجليًا ومسرفًا في عدائه وانحيازه .
وعليه كان لازما على محمد السادس أن يتبرك من شيراك الابن البار لمدينة تارودانت المغربية ,ليقدم له "الحل المعجزة"بعدما البسه جلد غزال وزينه بثالوثه السحري : "السيادة، خصوصية، ثم المجموعة الدولية".
هرولة المغرب إلى فرنسا لشرح حيلة الملك الأخيرة تؤكد أن الرباط في وضع لا تحسد عليه وأنها بدأت تستشعر الخطر الذي يأتي لهيبه هذه الأيام من المناطق المحتلة من الوطن، ومن الإصرار الدولي على حتمية تكريس حق الشعب الصحراوي طبقا لنص وروح قرارات المجموعة الدولية التي انقطع حبل كذب المغرب عليها، بعدما ظل يتحايل على العالم وهو ما كانت دوما توضحه جبهة البوليساريو للرأى العام الدولي عن مفهوم المغرب للسلام وهو يروج "لاستفتاء تأكيدي".
ويجمع المتتبعون للسياسة المغربية أن ما يدفع المغرب إلى الارتماء في أحضان شيراك هو محاولة الالتفاف على عقم سياساته بالصحراء الغربية. فبعد الإقرار بفشل سياسة الإغراء والإقرار بعقم غطرسته وإفلاس كونها باغية وانكشاف أضاليلها وخداعها وغباء تهورها يسعى إلى وسائل أخرى لتمديد وتشريع احتلاله للصحراء الغربية بمباركة فرنسية.
يبقى المغرب واهي إن تصور انه بجرة قلم يفرض حلوله القسرية حسب هواه وهو يدرك وقبله فرنسا انه لا يوجد أي أمل لفرض على المجموعة الدولية أي حلول تتناقض والشرعية الدولية، وان هذا المشروع سائر الى الإخفاق. ولا سلام بدون شريك السلام الحقيقي المعترف به دوليا الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
اما الشعب الصحراوي ومن خلال ممثله الشرعي والوحيد والأوحد جبهة البوليساريو السلطة الوحيدة الموجودة على الأرض بدون شك أنها وأمام التعنت المغربي وبعدما ظلت يدها ممدودة للسلام زهاء 16 سنة ستعمل على تصحيح هذا الوضع "اللاحرب واللاسلم"وسترشد الأداء لتنهض بالوظائف والأدوار الجديدة التي أصبح يمليها عليها هذا الضغط الشعبي بعد انهيار عملية السلام بالصحراء الغربية.
وهكذا يرى الشعب الصحراوي اليوم انه وبعد رحلة التيه والضياع في دواليب التسوية ودهاليزها المعتمة، تتنزل الحاجة اليوم إلى إعادة النظر في ذالك التعاطي الايجابي الذي ظلت جبهة البوليساريو وهي الأخذة في الحسبان والاعتبار إجماع والتفاف الشعب الصحراوي حولها ظلت تتبناه وتسلكه مع المجموعة الدولية.
وإن كان الشعب الصحراوي لا يملك أن يمنع الرباط من الارتماء في أحضان باريس إلا إنه بالقطع يملك أن يلقي أمام العالم روح التحدي ويطالب بضرورة تكثيف الضغط لوضع القضية الصحراوية على طريق الحل العادل الشامل وفق قرارات الشرعية الدولية التي تحصن الشعب الصحراوي من أي ابتلاع، وتؤمن أن الحل لا يزال بالتقادم ومصلحة المجموعة الدولية فض النزاع طبقا للقانون الدولي الذي يحرض شيراك المغرب التمرد عليه.
كما أن العالم يعرف جيدا، وهو يراقب عن كثب الانتفاضة الصحراوية التي جاءت ردا على الغطرسة المغربية بسبب الانتكاسات المتلاحقة لمسيرة السلام والتأجيلات التي تجاوزت أكثر من 31 تأجيلا يعرف حقيقة ساطعة انه لا استقرار في المنطقة ولا أمن لأحد ولا نجاح لأي تحالف ما لم يتحقق العدل المطلق للصحراوين الذين يرون في رسالة تعين السيد بان كي مون ممثلا جديدا له ليستكمل مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، وليس فسح المجال للمغرب ليطبل ويهلل للعبة البوكيمون التي أظهرت لنا عدسات وسائل الإعلام الدولية كيف كان السيد شيراك عفوا الملك يتصفحها.
