في عالم تتداخل فيه المصالح الجيوسياسية مع مبادئ القانون الدولي، تطفو على السطح قضايا يُفترض أنها حُسِمت منذ زمن، لكنها تعود لتذكرنا بأن الحق إذا لم يُحمَ بالقانون، تُجهضه الصفقات. ومن بين أبرز هذه القضايا: الصحراء الغربية.
أعاد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وومثل الولايات المتحدة الاسبق، في مجلس، إحياء هذا الملف من زاوية جريئة، لا تصدر عادة عن سياسي أمريكي من الصف الأول. لكنه فعلها، وكتب بوضوح: "الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية ليس أكثر من مقايضة سياسية لا شرعية لها".
في ديسمبر 2020، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم بإعلانه الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وذلك في إطار اتفاقيات أبراهام، التي كانت تهدف إلى تطبيع العلاقات بين دول عربية وإسرائيل. لكن خلف هذا الإعلان، كانت هناك صفقة غير معلنة بوضوح: "اعتراف مقابل تطبيع".
بولتون، الذي خَبِر خفايا صنع القرار الأمريكي، لم يتردد في تسمية الأمور بمسمياتها: "ليست هذه سياسة خارجية، بل تبادل مصالح آنية على حساب حقوق شعب بأكمله". لم تُبنَ هذه المقايضة على قانون، ولا على توصية أممية، ولا حتى على مراجعة تاريخية، بل كانت ببساطة ثمرة منطق السوق: أعطني اعترافًا، أمنحك تطبيعًا!!.
في عمق المقال، يطرح بولتون سؤالًا وجوديًا في صميم السردية المغربية: "لو كانت الصحراء مغربية حقًا، فلماذا احتاجت الرباط إلى شراء الاعتراف بذلك من واشنطن؟"
سؤال يُربك حتى أكثر المدافعين عن "الوحدة الترابية"، "المزعومة"، لأن الدول التي تتيقن من شرعية مطالبها لا تلهث وراء صفقات، بل تدفع نحو استفتاءات شعبية تُثبت حجتها. أما حين يُستبدل حق تقرير المصير بصفقة دبلوماسية، فذلك اعتراف ضمني بأن الخيار الديمقراطي قد لا يخدم الهدف السياسي.
ثم، في تناقض لافت، تروج بعض الدوائر الغربية أن البوليساريو تنظيم إرهابي أو أداة في يد قوى معادية. لكن بولتون يفنّد هذه الرواية: "حتى في أشد لحظات الصراع، لم تنزلق الجبهة إلى الإرهاب أو التطرف"، وهو ما يضعف الدعاية التي تُشيطنها.
كان من المفترض أن يُنظم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991، بإشراف الأمم المتحدة. لكن العقود مرت، ولا استفتاء في الأفق. لماذا؟
الجواب، حسب بولتون، واضح: "لأن هناك من يخشى النتيجة". ولأن الاستفتاء، ببساطة، يُعيد السلطة للشعب. إنه فعل ديمقراطي قد يُنهي النزاع، لكنه أيضًا قد يُنهي الحلم المغربي بالسيادة الكاملة على الإقليم.
وما يزيد من قتامة المشهد أن المجتمع الدولي، بقيادة قوى مثل فرنسا والولايات المتحدة، أصبح شريكًا في هذا التجميد المتعمد، إما خوفًا على مصالحه، أو رغبة في تجنب إحراج حليف استراتيجي.
حين يقول سياسي مثل جون بولتون إن الحقوق لا تُشترى، وإن الاعتراف لا يُنتزع من القانون بل من إرادة الشعوب، فهو يضع إصبعه على الجرح.
لقد آن الأوان أن يُعاد فتح ملف الصحراء الغربية من الزاوية الصحيحة: زاوية الحق، لا زاوية التحالفات الظرفية. وأن تُستعاد لغة القانون الدولي، لا لغة البيانات المشتركة.
وحتى ذلك الحين، سيبقى السؤال معلقًا بين واشنطن والعيون:
إذا كنتم تملكون الحق، فلماذا تخافون من صندوق الاقتراع؟.
سلامة مولود اباعلي