وفي ظل تنامي القلق الشعبي والرسمي، أعلنت السلطات عن مراجعة الضوابط الشرعية لإقامة الأجانب على أراضيها، وتشديد إجراءاتها، ما أسفر عن ترحيل أعداد من المهاجرين، خصوصًا من السنغال ومالي.
وأثارت هذه الإجراءات ردود فعل متباينة، حيث يرى البعض أنها ضرورية لضبط الحدود وحماية الأمن القومي، في حين تحذر أصوات أخرى من تداعياتها الإنسانية والدبلوماسية.
وفي ظل النقاش المتزايد حول قضية الهجرة في موريتانيا، أكدت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والموريتانيين في الخارج، في بيان توضيحي، “التزامها بتنظيم الهجرة النظامية وبمكافحة الهجرة غير الشرعية”.
وأشار البيان إلى أن “الجدل الدائر خلال الأيام الأخيرة يعكس في بعض الأحيان سوء فهم لتعقيدات الظاهرة من قبل بعض الأطراف، ما أدى إلى تداول معلومات غير دقيقة ومغالطات أضفت طابعًا من التهويل والمزايدات على النقاش”.
وأكدت الوزارة “أن موريتانيا تستقبل ثلاثة أنواع من الهجرة القادمة من دول الجوار، وهذه الهجرات هي الهجرة النظامية، التي تشمل المقيمين الحاصلين على تصاريح إقامة قانونية، وهجرة اللاجئين الذين يخضعون للوائح ثنائية ودولية؛ والهجرة غير النظامية التي تشكل تحديًا متزايدًا يتطلب إدارة دقيقة لضمان الأمن والاستقرار”.
وشدد البيان التأكيد على أن “موريتانيا، انطلاقًا من إرثها التاريخي والجغرافي المشترك مع الدول المجاورة، تحافظ على أواصر الصداقة وحسن الجوار، وتعمل على تسهيل تنقل المواطنين بين بلدان المنطقة في إطار من الأخوة والضيافة المتبادلة”.
وأكدت الوزارة “أن الهجرة غير النظامية قد تهدد استقرار المجتمعات في حال عدم ضبطها، حيث تسهم في انتشار شبكات الاتجار بالبشر وتؤثر على أنظمة الهجرة القانونية”.
وفي هذا الصدد، جددت موريتانيا “التزامها بالتعاون مع الدول الشقيقة لمكافحة هذه الظاهرة وتعزيز آليات الهجرة المنظمة”.
وأشار البيان إلى الجهود التي بذلتها السلطات الموريتانية والمتعلقة بتمكين مواطني غرب أفريقيا من تسوية أوضاعهم القانونية من خلال إجراءات مبسطة للحصول على تصاريح إقامة، مؤكدة “أن عددًا كبيرًا من المهاجرين لا يلتزمون بتجديد وثائق إقامتهم، ما يجعلهم في وضع غير قانوني”.
وأكدت وزارة الخارجية “أن موريتانيا ستظل بلد استقبال للمقيمين الأجانب الذين يحترمون الأطر القانونية، وستواصل العمل مع الدول المجاورة لتعزيز بيئة تنقل آمنة ومنظمة؛ كما جددت عزمها على مكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية، مع عدم التساهل مع أي شبكات تهريب أو اتجار بالبشر”.
وختم البيان بالتأكيد على أن “موقف موريتانيا في هذا الملف ينبع من إرثها التاريخي كأرض تلاقٍ وتعايش، وأنها ستواصل العمل لضمان أن تظل الهجرة عاملًا إيجابيًا يعزز التنمية والاستقرار في المنطقة”.
وفي سياق تطورات هذه الأزمة، قالت وزيرة الاندماج الإفريقي والشؤون الخارجية السنغالية، ياسين افال: “إن السلطات السنغالية أعربت لنظيرتها الموريتانية عن أسفها إزاء “المعاملة غير الإنسانية التي تعرض لها مواطنون اعتقلتهم السلطات الأمنية الموريتانية وأعادتهم قسراً إلى أوطانهم”.
وأوضحت رئيسة الدبلوماسية السنغالية “أن موريتانيا تواجه حالياً ضغط الهجرة غير النظامية، التي تفاقمت بسبب الأزمات في المنطقة”، مؤكدة على “الروابط التاريخية والأخوية التي تجمع بين البلدين”.
وطالب النائب البرلماني السنغالي عن الحزب الحاكم غي ماريوس سانيا، البرلمان السنغالي بتشكيل لجنة وإيفادها إلى موريتانيا “من أجل تقييم وضع مواطنينا السنغاليين ومواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والمواطنين الأفارقة المهاجرين”.
وفي خضم هذه الأزمة، أجرى وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، اتصالات هاتفية مع نظرائه في كل من السنغال، ومالي، وغامبيا، وساحل العاج بشأن موضوع المهاجرين غير النظاميين، كما استقبل قبل ذلك سفراء مالي وغامبيا، وساحل العاج، والقائم بالأعمال في السفارة السنغالية بنواكشوط.
وبدأت السلطات الموريتانية خلال الفترة الأخيرة حملة اعتقالات طالت مئات المهاجرين غير النظاميين، وشرعت في ترحيلهم إلى بلدانهم.
واحتج عشرات المواطنين الماليين الذين أوصلتهم السلطات الأمنية الموريتانية للحدود على سوء معاملة أكدوا أنهم تلقوها خلال عميات الترحيل”.
وأوضح السفير الموريتاني في مالي شيخنا ولد النني، “أنه تواصل بخصوص الوضع على المعبر الحدودي بين موريتانيا ومالي مع وزير الأمن الداخلي ووزيرة النقل في الحكومة المالية، وكذا مع والي خاي، مؤكداً أن القضية في طريقها إلى الحل”.
ونظم صالون المدونين، مساء أمس، حلقته النقاشية الأسبوعية تحت عنوان: “كيف نواجه تحديات الهجرة؟”.
وأكد المتدخلون في هذه الحلقة “أن الهجرة تؤثر على المصالح الوطنية، وأن بعض الموريتانيين فقدوا أعمالهم بسبب المنافسة مع الأجانب”.
وسلط المدونون الضوء على التحديات الأمنية التي تفرضها الهجرة، مؤكدين “أن بعض المهاجرين ينخرطون في احتجاجات وأعمال شغب، ما يزيد الوضع تعقيدًا”.
وأكد الخبير في حقوق الإنسان ومكافحة الاتجار بالبشر، أحمد داوود، “أن موريتانيا تستقبل أربعة أصناف من المهاجرين، هم اللاجئون، وطالبو اللجوء، والمهاجرون الشرعيون، والمهاجرون غير النظاميين، مشيرًا إلى أن الفئة الأخيرة تشكل التحدي الأكبر حاليًا”.
كما ذكر الخبير أن الإحصائيات المتاحة تفيد بوجود 110 آلاف لاجئ و85 ألف طالب لجوء من 40 جنسية مختلفة.
أما الكاتب والناشط السياسي محمد فال نوح، فقد ركز في مداخلته على انعكاسات الهجرة على الفئات الهشة، مستشهدًا بإضراب الحمالة عام 2017، حيث تم استبدال عدد كبير من العمال الموريتانيين بمهاجرين أجانب.
وأشاد الكاتب بالإجراءات الحكومية الأخيرة للحد من تدفق المهاجرين، داعيًا إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة.
وأعربت الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان عن إدانتها الشديدة لما وصفته بـ “الاعتقالات الجماعية التعسفية، وسوء معاملة المهاجرين في موريتانيا”، معتبرة “أن هذه الإجراءات تنتهك الكرامة الإنسانية والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقعتها موريتانيا”.
وأشارت الرابطة في بيان لها، إلى أن “موريتانيا ملزمة باحترام الاتفاقيات الثنائية الموقعة مع كوت ديفوار ومالي والسنغال، والتي تضمن حرية التنقل والإقامة لمواطني هذه الدول، كما أكدت أن موريتانيا طرف في عدة مواثيق دولية، مثل الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وبروتوكول مابوتو، واتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين، والتي تفرض التزامات واضحة لحماية حقوق المهاجرين”.
وانتقدت الرابطة بشدة دور الاتحاد الأوروبي في تمويل سياسات الهجرة في موريتانيا، معتبرة أن تخصيص 52 مليون يورو لمكافحة ما يسمى بـ “الهجرة غير الشرعية” يجبر موريتانيا على لعب دور الحاجز الحدودي لأوروبا على حساب حقوق الإنسان”.
وحذرت الرابطة مما سمته “الأوضاع المأساوية” التي يعاني منها المهاجرون في مراكز الشرطة في نواكشوط ونواذيبو، حيث يُحتجزون في ظروف غير إنسانية دون رعاية صحية أو مساعدة قانونية، وسط اكتظاظ شديد لا يراعي الحد الأدنى من معايير الكرامة الإنسانية”.
المصدر: القدس العربي