قادتني ظروفي والتزاماتي النضالية يوما من الايام وبالتحديد من سنة 1998 الى الرباط العاصمة المغربية ،وهناك التقيت مع الرفيق والمناضل الصحراوي الفقيد عبيد أهل عبدالقادر ،والذي لم تكن لي سابق معرفة به ،وكانت فرصة اللقاء به وبصدق، استثنائية، بحيث في ظرف وجيز لا يتعدى أسابيع فقط ،عرفته عن قرب وحصل انسجام قوي فيما بيننا ،وكأنني أعرفه منذ سنوات خلت، وذلك لطبيعة أريحيته ولباقته، وانفتاحه التلقائي وطيبوبته ، وروحه المرحة جدا " ظحاك كبالة "وعمقه الاجتماعي وكرمه وسخائه، بحيث لاتكل ولا تمل أبدا من حديثه ومرافقته ،وكان رحمه الله مناضلا مبدئيا، يختزن طاقة و نفسا طويلا، ومؤمنا ومخلصا لأفكاره وقناعاته حد الثمالة،و التي من أجلها أختطف وعذب وأفنى أزهى وأجمل فترات حياته بالسجن رفقة بعض أفراد من عائلته .
الفقيد عبيد أهل عبدالقادر من والده عبد القادر ولد أحمد ولد محمد و ، ووالدته الفقيدة السالكة بنت محمدو ولد بابا خيي، وهو من مواليد عام 1958 بمنطقة جنوب مدينة بوجدور المحتلة تسمى بـ " تيمكرارين " متزوج وأب لطفلة واحدة تحمل إسم " الرباب " ،أختطف الفقيد بتاريخ 01 دحنبر 1980 من مدينة العيون المحتلة، هو ووالدته التي توفيت منذ أسبوعين، وشقيقه المين أهل عبدالقادر، وتم اقتيادهم لمركز الاحتجاز السري المغربي الشهير" درب مولاي الشريف" بالدارالبيضاء ،حيث قضوا ثمانية اشهر رفقة مجموعة كبيرة من المختطفين الصحراويين ، وتم ترحيلهم الى جانب هذه المجموعة ، لمركز احتجاز سري أخر، بالشرق المغربي يعرف بأكدز بتاريخ 07 نونبر 1981، وبعد ذلك الى المخبا السري بقلعة مكونة ـ التي كان يقدمها ملك المغرب الحسن الثاني للعالم في قالب قلعة للورود ـ في ابريل سنة 1981، وقضوا مايقارب من إحدى عشرة سنة، بين هذه السجون السرية المغربية .
و نتيجة الضغط الدولي على النظام المغربي والترتيب لبدء تنفيذ المخطط الأممي الافريقي بالصحراء الغربية لتنظيم الاستفتاء إلى جانب تحولات أخرى داخلية وخارجية، تم الكشف عن مصيرهم بتاريخ 22 يونيو 1991 ،وقد تعرضت هذه العائلة الى جانب معاناتها بالسجون المغربية السرية، لأشكال من التعذيب النفسي والجسدي من قبل أجهزة القمع المغربية ما يبكي القبور والاحجار،نترك فيه الفرصة للضحايا المباشرين لتبسيط شهادتهم عندما تسمح لهم الظروف النفسية والذاتية بذلك .
والفقيد الصحراوي عبيد أهل عبدالقادر، كما حكى عنه رفاقه الذين عرفوه عن قرب في المعتقلات السرية المغربية ،كونه صاحب ارادة فولاذية، حيث استطاع نظرا لنباهته، أن يتعلم القراءة والكتابة في السجن بسرعة قياسية، من خلال الاستفادة من برامج التوجيه والتثقيف، التي كان المختطفون ينطمونها في حدود امكانياتهم، في إطار مواجهة ظروف المخبأ السري والقضاء على الأمّية المتفشية أنذاك في بعض الاوساط منهم،وكان قيد حياته الفقيد يتصف بدرجة كبيرة من نكران الذات في خدمة رفاقه بالسجن خاصة المسنيين والمرضى بكل تفاني، وكان شجاعا وجريئا في مواجهة ظروف السجن وتقلباته، ومناضلا ملتزما وصادقا .
وبالتأكيد فقدنا انسانا ومناضلا ترك بصمته في مسار تجربة الاختطاف الصحراوية، بحسه الانساني والاجتماعي والنضالي الراقي،وشكل فقدانه لرفاقه ومعارفيه صدمة قوية وجرحا غائرا، تأثرا بفقدانه الذي أعتبر خسارة لتميزه ونبله.
ويبقى عزاؤنا في استحضار مناقبه وخصاله، وفي مقدمتها وفاءه لحلمه وعشقه لهذا الوطن العظيم الذي سكنه ولم يسكنه مطلقا، إلى أن رحل عنا فجأة، إثر حادثة سير في طريقه لموريتانيا بالقرب من الداخلة المحتلة بتاريخ 23 فبرابر سنة 2002 .
رحم الله الفقيد الصحراوي عبيد اهل عبدالقادر ووالدته السالكة التي ودعناها منذ ايام فقط ،ومرة اخرى ،أقول عفوا الشهداء لايموتون.
وإلى فقيد أو شهيد أخر يتجدد اللقاء
علي سالم ولد التامك
العيون المحتلة
بتاريخ 13 ماي 2016
صورة مع الفقيد الصحراوي عبيد أهل عبدالقادر بالرباط سنة 1998