وسعيا لتوثيق النزر اليسير من مآثر وأمجاد شهداء القضية الوطنية الذين فاضت أرواحهم في سبيل تحرير الوطن من الظلم و القهر و الطغيان، نحاول تقديم قراءة فكرية لحياة وفكر شهيد الحرية والكرامة الولي مصطفى السيد، الحاضر الأبدي في ذاكرة الثورة ووجدان الشعب الصحراوي وعنوان الشهادة في تاريخ المقاومة الوطنية، مضحيا بنفسه وهو يواجه التحالف الاستعماري ومشاريعه الاستئصالية التي حولت المنطقة إلى مسرح حرب لعبث الجيوش الغازية، التي استحوذت على الأرض وانتهكت الكرامة الإنسانية في الصحراء الغربية.
لقد تميز مساره الطلائعي باقتران القول بالعمل وظل شمعة تحترق ليعيش ألآخرين ويبصروا النور مع كلماته المتقدة، ترشد من تاه عن درب الكفاح، وظل متفانيا في تحقيق طموحات وآمال القاعدة الشعبية "إذا أرادت القدرة الخلود للإنسان، سخرته لخدمة الجماهير".
وبأسلوب بديع ومقنع، حذر من مسالك الضباب والاتكالية ومظاهر الفساد والانتهازية بقوله: "الإتكال الذي يعمل على فرز الإطارات، من منهم أصبح يميل إلى الإنتهازية، يركب الجماهير ويستغل مكاسبها ثم يختبئ وراءها.. ومن سيبقى بطبيعة الحال طلائعياً بالفعل بالنسبة للقاعدة الشعبية، يعطي ولا يأخذ"، راسما معالم المستقبل لوطن حر وشعب سعيد لان الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب أعلنت من اجل الشعب والانتصار لإرادته ضد ارادات القهر والإذلال والاستعباد.
تميزت خطاباته بملامسة الواقع واستنباط الحلول بحكمة ورزانة وفكر يتفتق عبقرية ورؤية شاملة ومحيطة لكل ما يجري من حول الزعيم المفكر، ليبحر بأطر شعبه في رحلة تقف بهم على معالم التاريخ والجغرافيا وحقائق ما يجري من أحداث على المسرح الدولي، فضلا عن التنبؤ بما سيكون عليه الحال في استشراف ثاقب للمستقبل ومآلات الصراع بين قوى الاستعمار والشعوب المكافحة، وهو ما لا يمكن أن يدركه من كان في سنه أو يبلغه من يعيش في أقاصي الصحراء معزولا من العالم.
فكره الثاقب وكلماته النافذة إلى العقول والقلوب طأطأت لها رؤوس زعماء الفكر والسياسة، وأصبحت بحق أكاديمية ثورية تتوارثها الأجيال وذُخراً وزاد للسائرين في درب الكفاح ومــن ينـهـل من فكره يـسـتـزاد، كشعاعِ حقٍ ينير الطريق وينشد الحرية وقيم العدالة والذود عن كرامة الإنسان.
ترتقي بنفسك وأنت تدرس سيرته العطرة وأيامه الخالدة خلود تاريخه الحافل بالأمجاد والمرصع بالبطولات في سجل الفخر الذي كُتبت صفحاته بالدم والبارود ولسان حاله يقول على العهد والوعد ماضون حتى النصر الأكيد.
"الصراع الآن.. صراع في البداية مابين الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب وبين الأنظمة الغازية وأنظمة الإحتلال التي يتزعمها المغرب وموريتانيا.. الصراع في المنطقة هو صراع بين مكافحي الشعوب في المغرب العربي وبين مستعبدي هذه الشعوب.. وهو صراع بين القيادة الثورية في الجزائر وليبيا وبين القيادات الرجعية في المغرب وموريتانيا وتونس.. إذن الصراع بالنسبة للمغرب العربي هو صراع بين دعاة العبودية، دعاة الإستغلال، العملاء للقوات الأجنبية والإمبريالية وبين الوطنيين الذين نبعوا من القاعدة الشعبية، والذين دافعوا من أجل القاعدة الشعبية في المغرب العربي".
أدرك ـ رحمه الله ـ قيمة العنصر في المجموعة البشرية القليلة كحالة الشعب الصحراوي في مواجهة سيل بشري جارف يروم تغيير ديمغرافيا المنطقة والقضاء على العنصر الصحراوي بكل الأساليب فوضع المعادلة "إذا كان الناس يحسبون بالنحاس، فعلينا أن نحسب بالذهب" حتى يضمن أسباب النجاح للنوع البشري القليل ولكنه المؤهل والقادر على مجابهة الكم الكثير، حاثا على الانصهار داخل كتلة الوحدة والالتحام "إن النجاح الكبير يكمن في وجودنا ككتلة واحدة ملتحمة.. كتلة ولو كانت صغيرة" لأنه "كلّما تقوينا نحن، ضعف عدونا" وكنا أكثر جاهزية لتحقيق المنشود والحفاظ على الوجود الديمغرافي والجغرافي للشعب الصحراوي "الغاية الكبرى التي نطمح إلى الوصول إليها هي: شعب منظم، ملتحم، قادر، محترم وفوق أرضه" مستعينا في ذلك بكل الوسائل المتاحة حتى نال شرف الشهادة في معركة نواكشوط ويده على الزناد، وفي صدره قلب أسد وهو لم يتجاوز الــ28 سنة مسخرا نفسه للشهادة وحاله يترجم مقاله: "إن الأنظمة المتعفنة لا يقضي عليها سوى الدم المناضل" ترجّل الشهيد الولي في سفره الأبدي وهو يجسد مقولته الشهيرة: إذا أردت حقك يجب أن تسخى بدمائك، ليرتقي بنفسه الطاهرة إلى سماء الخلد، ناقشا اسمه بين العظماء فالطيبون يصعدون مبكراً إلى السماء.
إلمامه بمحيطه الإقليمي وتوصيفه الدقيق لواقع الصراع بين الأنظمة الثورية التي تطمح إلى بناء مغرب الشعوب وبين الأنظمة الرجعية التي تخدم أجندة الاستعمار في المغرب العربي وتحمي مصالحه لتضاعف الأعباء على شعوبها المقهورة.
وأمام نبل ونزاهة الأهداف التي ناضل من اجلها الولي مصطفى السيد نتناول الأطر والمميزات العامة لفكر هذا البطل الثائر والقائد المتمرد على كل مظاهر التخلف والجهل ونسطر للأجيال نموذجا حيا، لمن جادوا بأغلى ما يملكون، ورسموا بأجسادهم أسمى معاني التضحية في سبيل الوطن، وليكون هذا العمل وقفة مع الذات وتجديد العزم وصقل المسار من الشوائب والعلل لنرتقي للدرب الذي سلكوه ونسمو بنفوسنا وأجسادنا فوق المؤثرات الأرضية والغرائز العمياء، لنرتوي من معين مورد قوافل الشهداء الذين رحلوا يمتطون الشهادة نحو العلا.
فرحم الله معشر الشهداء وجزاهم عنا خير الجزاء.
بقلم : حمة المهدي