القائمة الرئيسية

الصفحات

الارهاصات الأولى لإعلان الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب


في خضم التحولات التي عاشها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت المعمورة مع مطلع الخمسينيات أكبر حركة تحريرية في التاريخ المعاصر توجت باستقلال جزء كبير من المستعمرات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث خاضت حركات التحرر في مختلف القارات الكفاح ضد المستعمر، ولم تكن الصحراء الغربية التي كانت تخضع للاستعمار الاسباني بمعزل عن الحركة التحررية العالمية، حيث كانت الظروف الاستعمارية قد مهدت الطريق أمام الثورة التي أعلنها الولي مصطفى السيد ومجموعة من رفاقه المتشبعين بنفس الأفكار الثورية والمؤمنين بالهدف والمصممين على شق طريق الثورة على الاستعمار والتبعية، عبر التوجيه الثوري ونسج التحالفات الداخلية وتوسيع رقعة الحاضنة على أساس تقييم علمي موضوعي لكل إرهاصات وتجارب المقاومة الوطنية بدءا من المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء ومظاهرات الزملة التاريخية، إضافة إلى ما شهدته مدن جنوب المغرب من تحركات طلابية تنشر الوعي السياسي وتسعى إلى لملمة وضعية الشتات التي فرضها المستعمر الاسباني على الشعب الصحراوي ومواكبة الحراك التحرري العالمي، وصهر الطاقات الوطنية في مختلف المناطق مع الدور الريادي الذي لعبته الجالية الصحراوية بالخارج في دعم ومؤازرة الثورة، والانخراط في الكفاح الشامل من اجل تحقيق الاستقلال الوطني.
وقد ظهرت بوادر هذه الحركة من خلال مجموعة من الشباب والطلبة الذين قادوا سلسلة من الاتصالات وقد شكلت مظاهرات الطنطان جنوب المغرب سنة 1972 التي جرت على مرحلتين، في مارس من نفس السنة، ضمن سياق تحرك طلابي عام شهده المغرب في تلك الفترة وقد اعتقل على خلفيتها سبعة من المناضلين الصحراويين من بينهم الشهيد الولي مصطفى، تم سجنهم في مدينة أكادير وحاولت السلطات المغربية تقديمهم للمحاكمة لكن بفعل الضغط الطلابي جرت مفاوضات بين السلطات المغربية و تنسيقيات الإضراب أدت إلى إنهاء الإضراب و إطلاق سراح المعتقلين.
فيما كانت المظاهرة الثانية يوم 20 ماي 1972 بالتزامن مع ما يسمى موسم "الشيخ محمد لقظف" الذي ينظم قريبا من ضريحه جنوب مدينة الطنطان، وهي مناسبة دينية كغيرها من المناسبات المشابهة التي رسخها الاستعمار في كل الدول الإسلامية من اجل نشر الخرافات والاعتقادات الشركية والوثنية لتخدير الشعوب وإشغالها بهذه المواسم الخرافية وإحداث التفرقة والطائفية داخل المجتمع على قاعدة "فرق تسد"، وكانت ترافق الموسم المذكور بعض الأنشطة التراثية والثقافية وعروض الشعوذة و"الحناشة" إضافة إلى استغلال الحضور الكبير القادم من مناطق متفرقة لفتح سوق اقتصادي كبير يستقطب الباعة والزبائن من كل الاتجاهات وفي تلك السنة حضره وزير الداخلية المغربي آنذاك الجنرال محمد أوفقير وبعض الوفود الأجنبية القادمة من دول مختلفة، وهو ما أعطى للحراك الشباني زخما إعلاميا على نطاق واسع، وهو ما يفسر العنف الذي واجهت به السلطات المغربية تلك المظاهرة التي انطلقت من السوق الكبير باتجاه الموسم خوفا من وصولها إلى الخيمة الكبيرة التي نصبت للترحيب بوزير الداخلية المغربي، في الموسم، وكان قائد الطنطان المعروف بالعكوري في مقدمة العساكر والشرطة التي هاجمت المتظاهرين وحاصرتهم وفي تلك اللحظات قاد الشهيد الولي مصطفى السيد مظاهرة أخرى داخل الطنطان من اجل فك الحصار عن الشباب الصحراويين المحاصرين ولفت أنظار القوات المغربية إلى المظاهرة الأخرى في إطار خطة تم رسمها  لتوزيع الأدوار وقد احتجزت القوات المغربية أكثر من ثلاثين طالبا صحراويا تم نقلهم إلى عمالة الطنطان والتحقيق معهم وكانت اللافتات تحمل شعارات قوية من بينها :"الصحراء تصبح حرة واسبانيا تمرگ برا" وتؤكد على رفض الوصاية السياسية التي حاولت اسبانيا مباشرتها على حقوق الصحراويين في تلك الفترة مع دول الجوار من اجل الإجهاز على حقوق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال وبناء الدولة الوطنية المستقلة.
كما حملت المظاهرة رسائل مشفرة إلى المغرب الذي أسس مجموعة من التنظيمات للحديث باسم الصحراويين وإظهار الولاء للمغرب، بان الصحراء للصحراويين.
وبعد الحبس والتعذيب تم إطلاق سراح مجموعة الشباب الصحراويين لتبدأ فصول من الضغوط والمساومة والإغراءات وكان الخوف على تفرق المجموعة، واندثار العمل النضالي هاجسا يؤرق النخبة التي كانت تؤطر الحراك السياسي، فبدأ تحضير المجموعة وتوزيعها على مناطق لدراسة إمكانية الإعداد لقيام الثورة من خلال التعرف على طبيعة كل منطقة وأهلها وأحوالها وإمكانية التعاطي مع الثورة ومعرفة الصعوبات والمعوقات المحتملة، وقد وزعت المجموعات على الجالية الصحراوية بالجزائر، موريتانيا، جنوب المغرب، ومدينة العيون والطلبة بجامعة "نويسترا سينيورا دي افريكا" في اسبانيا ومجموعة ذهبت إلى كناريا، وإعطاء المجموعات مدة شهر لتنفيذ المهمة، وكان للقاء التشاوري الذي تزعمه الولي مصطفى السيد في 20 يوليو 1972 بمنطقة تسمى "تافسيطيطاتن" بشمال شرق الطنطان، أهمية كبيرة في الإعداد لتأسيس جبهة البوليساريو إذ يعتبره البعض بمثابة الحركة الجنينية، كونه وقف على تقييم عمل تلك المجموعات والاستماع لعرض قدمته عن مختلف المناطق التي زارتها ويتواجد بها الشعب الصحراوي وهنا تكون الحركة الجنينية استفادت من أخطاء الحركة الطليعية لتحرير الصحراء والتي لم تشمل جميع جغرافيا التراب المحتل أثناء التحضير للانتفاضة والثورة وتقوقعت في مدينتي السمارة والعيون وضواحيهما، كما تجاهلت الجالية الصحراوية بالخارج والمغتربين الصحراويين الذين شاركوا في الكثير من الأعمال النضالية وهو ما أدى إلى هجرتهم ونفيهم إلى الخارج علاوة على أنهم يمثلون نواة النخبة الصحراوية التي هاجرت إلى الخارج.
وبالرغم من أهمية لقاء "تافسيطيطاتن" إلا انه لم يحسم تاريخ إعلان الثورة وخرج باتجاهين يرى الأول أن ظروف القيام بالثورة الشاملة لم تنضج بعد، نتيجة ضعف الوعي السياسي وغياب الأطر الكافية والقادرة على إحداث التغيير الجذري المطلوب، ودعا إلى منح المزيد من الوقت ريثما تنضج الظروف الذاتية، مع اعترافه بتوفر كل الظروف الموضوعية من حرمان وفقر وإقصاء واضطهاد يتعرض له الشعب الصحراوي.
فيما تلخص الاتجاه الثاني في كلمة الشهيد الولي ـ رحمه الله ـ الثورة الآن أو ابداً، حيث اعتبر أن الانتظار بمثابة إضاعة للفرصة التي لا يمكن أن تتكرر، وان الخيارات واضحة وان النخبة الشبانية لم يبق أمامها سوى التضحية بالدراسة والأهل والانخراط في العمل النضالي الدؤوب لتحرير الصحراء أو الاستسلام لإغراءات الواقع وتحصيل الشهادات الجامعية وانتظار توفر ظروف جديدة للنضال ومن ثم الركوب على تضحيات الجماهير.
وكان هاجس الولي في تلك المرحلة العاصفة من تاريخ الشعب الصحراوي، مسابقة الزمن في الحفاظ على القرار الأممي المؤكد على حق تقرير المصير ومشروعية الكفاح في الصحراء الغربية ومنع سبق المغرب لشغل مكان الشعب الصحراوي في العواصم التحررية من خلال الحركات الموازية المفبركة التي أسستها القوى الطامعة والحفاظ على انسجام المجموعة وتواصلها الدائم وعملها الجماعي لقطع كل خطوط الرجعة، و هكذا قرر الملتقى ضرورة الالتحام بالطبقة الشعبية واستكمال العمل التشاوري لإعلان الثورة    التي باتت قاب قوسين أو أدنى.
المصدر: كتاب الثورة الان او ابدا ـ للكاتب حمة المهدي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...