عبير سهام مهدي
الكتاب:
|
التعصب في الفكر الصهيوني
|
المؤلف:
|
الدكتورة عبير سهام مهدي
|
الطبعة:
|
الأولى - 2012م
|
عدد الصفحات:
|
428 صفحة من القطع المتوسط
|
الناشر:
|
دار صفحات للدراسات والنشر - دمشق - سوريا
|
عرض:
|
نادية سعد معوض
|
يُعد التعصب ظاهرة مركبة متنوعة الأسباب والأوجه، فله أسباب اجتماعية، وسياسية، ونفسية، وهو ظاهرة عامة، عرفتها التيارات الفكرية المختلفة في حقب التاريخ كلها، مع التباين في أسبابها وأنماطها وصورها، حيث تختلف مكونات التعصب وطرق ممارسته.
وفي كتاب "التعصب في الفكر الصهيوني" -الذي صدر في دمشق مؤخَّرًا- تحاول الدكتورة عبير سهام مهدي الكشف عن ماهية هذه الظاهرة، ومكوناتها الفكرية والنفسية، ووسائل تنميتها، فضلاً عن تسليط الضوء على المهمة التي يؤديها التعصب في صياغة الشخصية اليهودية المتعصبة وتكوينها، وتقصي الأثر الذي تركته ظاهرة التعصب بعد قيام الكيان الإسرائيلي، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي، وهذا كان واضحًا في الاستنتاج العالمي له على الصعيد القانوني والفكري، والذي تُوج باستصدار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 عام 1975م.
وأكدت المؤلفة أن الاهتمام ببحوث التوجهات التعصبية نحو الجماعات والقوميات الأخرى قد بدأ منذ العشرينيات من القرن المنصرم، على يد "بو جاردس"، وقياسه للمسافات الاجتماعية التي يرتضيها الشخص بينه وبين أعضاء القوميات الأخرى ابتداءً من المعاهدة وانتهاء إلى زيارة البلد أو الطرد منه. أما في العالم العربي فلم يقدم إلا عددًا محدودًا وغير منظم من الدراسات العلمية للتوجهات التعصبية، في حين تشير الكتابات الغربية كثيرًا إلى أنواع من التعصب لا نعرفها في بلادنا مثل: التعصب ضد المسالِمين من السود، وغيره. فضلاً عن ذلك لم يُولِ الكثير من هذه الدراسات بطابعها الانحيازي الأهمية الكافية للفعل السلبي الذي قامت به وما تزال تقوم به ظاهرة التعصب في الفكر الصهيوني، سواء قبل قيام "الكيان الإسرائيلي" أم بعده.
تشير المؤلفة إلى موضوع التعصب وأسبابه وأنواعه بشكل تفصيلي؛ لافتةً إلى أن أبرز المشكلات التي واجهتها المؤلفة في إعداد هذا الكتاب هو طبيعة موضوعه، لأن موضوع التعصب هو موضوع مشترك بين مختلف العلوم والدراسات الاجتماعية والنفسية والسياسية، الأمر الذي دعاها إلى دراسة الآراء المختلفة والمتخصصة عن هذه العلوم، مؤكدةً أنها عانت كثيرًا من ندرة المصادر المتخصصة وصعوبة الحصول على بعض المصادر الأجنبية الحديثة ذات الصلة الوثيقة بموضوع الكتاب.
التعصب.. دراسات سابقة
وبينت المؤلفة أن الدراسات السابقة التي عالجت موضوع التعصب تنقسم إلى نوعين أساسيين:
النوع الأول: يتمثل بالدراسات غير المباشرة التي تتمثل في الجهود العلمية التي تناولت موضوع التعصب في الفكر الصهيوني على نحو ضمني.
ومن أبرز هذه الدراسات دراسة الدكتور معتز سيد عبد الله، والتي حملت عنوان "التوجهات التعصبية"، وقد تناول في أحد أجزائها موضوع التعصب في الفكر الصهيوني، ولكنه عالج الموضوع على نحو موجه ومقتضب، حيث أعطى مساحة واسعة للمجال النظري مغفِلاً المجال العملي والتطبيقي للظاهرة المدروسة.
كذلك الدراسة التي قدمها الدكتور رشاد عبد الله الشامي، والتي حملت عنوان "الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية" في تأكيدها الطابع القومي، الذي يؤدي إلى استقلال الشخصية اليهودية، ومن ثم نمو النزعة الاستعلائية، والتي تفضي إلى التعصب ضد الآخرين عمومًا وضد العرب خصوصًا.
أما النوع الثاني: فهو يمثل دراسات مباشرة، وهي قليلة كرست لهذه الفكرة، كما في المصادر القدسية اليهودية، غير أن هذه المصادر مع إسهابها في عرض المجالات العنصرية والتعصبية للديانة اليهودية غير أنها ركزت على المجال الديني مغفِلة الجانب النفسي والاجتماعي والسياسي.
التعصب الصهيوني حالة مرضية
وتؤكد المؤلفة أن التعصب الذي يتسم به الفكر الصهيوني يُعد حالة مرضية يعانيها الكيان "الصهيوني الإسرائيلي"، وهي حالة تعكس الولادة غير الطبيعية لهذا الكيان الغاصب للأرض العربية، والقائم على مسوغات فكرية ودينية عقيمة، ويلاحظ أن أهم مصادر التعصب في الفكر اليهودي هي:
مصادر داخلية: وتتمثل في المصادر القدسية في اليهودية، وما انطوت عليه من طروح دينية مسوِّغة للتعصب من قبيل: فكرة "الشعب المختار"، وفكرة "النقاء العرقي اليهودي"، و"فكرة معاداة السامية"، وفكرة "حتمية النصر على الأعداء"، فضلاً عن الإضافات الفكرية المعاصرة لرواد الفكر الصهيوني، والتي عززت قضية التعصب في الفكر الصهيوني.
ومصادر خارجية: تتمثل في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها اليهود عبر العصور المختلفة، وما أفضت إليه من نتائج نفسية، أثرت في الشخصية اليهودية والفكر الصهيوني، لتصمه بالتعصب، مثل: "عقدة الاضطهاد"، و"الشعور الدائم بالخوف".
وقد عملت هذه المصادر الداخلية والخارجية على تجذير التعصب في الفكر الصهيوني.
كما تشير المؤلفة إلى أن الصهيونية قد عملت خلال مؤسساتها المتعددة على دعم وإنماء الشخصية الصهيونية المتعصبة لدى الأبناء الصغار، والمحافظة على هذا النمط السلبي بوساطة مؤسساتها الاجتماعية والتعليمية والدينية والإعلامية، التي تعمل على تشويه صورة الأغيار عمومًا والإنسان العربي والفلسطيني خصوصًا، على نحو يؤدي إلى تغذية نزعات التعصب تجاههم، وعلى نحو ملحوظ جدًّا، لافتةً إلى أنه نتيجة لذلك ترتب على مسألة التعصب في الفكر الصهيوني نتائج سلبية على الآخرين، تمثلت في: النفي للآخر، والرُّوح العدوانية، واستخدام القوة ضدهم، حيث تواجه الأقلية العربية في فلسطين والتي يطلق عليها اسم "عرب 1948" تمييزًا عنصريًّا على كل الأصعدة: الاجتماعية، والصحية، والاقتصادية، والسياسية، مع أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولعل سبب ذلك يرجع إلى كون هذه الأقلية تعد من الأغيار الذين تمارس ضدهم سياسة التعصب، ومن أهم مظاهر التعصب ضدهم سياسة التمييز العنصري التي تمارسها السلطات "الإسرائيلية" المتعاقبة، ومن ذلك:
انتهاك حقوق الإنسان العربي الفلسطيني، وقد تجلى ذلك بمنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في العودة وفي تقرير المصير، واتباع أنواع العقوبات الجماعية مثل: نسف المنازل، والإبعاد، وعمليات التهجير القسري لتهويد الأرض العربية، كذلك وضع الآلاف من الفلسطينيين في السجون بلا تهمة أو محاكمة، ومصادرة وانتزاع ملكية الكثير من الأراضي والممتلكات الفلسطينية.
وكذلك تشويه الحياة التعليمية لتضليل الجيل الفلسطيني الناشئ في فلسطين المحتلة بإلغاء المناهج العربية، وفرض مناهج جديدة توافق سياسة التهويد، فمثلاً أصدرت السلطات "الإسرائيلية" تعليمات عسكرية بمنع تداول أي مصورات عربية أو أجنبية تشير إلى حدود ما قبل عام 1967م، كذلك عملت على تفريغ الكتب التي سمحت باستمرار تداولها من أي مضامين وطنية، وحذفت الفصول المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وغيرت كلمة "فلسطين" إلى كلمة "إسرائيل" في أي مكان وردت فيه، أما بالنسبة للدين الإسلامي فقد حذف الكيان الصهيوني الآيات التي تتضمن الحث على القتال وذم اليهود.
أيضًا فرض الضرائب الباهظة على المواطنين العرب على النحو الذي يتجاوز قدرتهم ودخولهم، وذلك لإفقارهم ودفعهم إلى الهجرة بحثًا عن موارد أخرى للرزق، مما أدى بهذا الوضع إلى استنزاف القدرات الشرائية للمواطن العادي، ومن ثم ازدياد أعداد من هم في خط الفقر أو دونه، ولم تتوقف "إسرائيل" عند هذا الحد، بل امتدت تأثيرات التعصب إلى سياستها العدوانية ضد دول الجوار العربية، فبعد قيام "إسرائيل" اشتدت سياسية العنف والعدوان فيها، وارتبطت إلى حد كبير بمشكلتها الرئيسية، وهي تأمين كيانها وأمنها والاستجابة لحاجات التعصب في الفكر الصهيوني، ومن أجل تحقيق ذلك توسلت "إسرائيل" بأساليب العنف والإكراه والقوة العسكرية إلى فرض وجودها على العرب والتوسع على حسابهم ضمن سياسة النفي للآخر.
وبينت الكاتبة أنه من هنا غدت مشكلة أمنها محور تفكيرها وشغلها الشاغل، ولعل سبب ذلك يرجع إلى أن "إسرائيل" مجتمع عسكري يخشى الركون إلى السكينة والسلام، ومن ثم عمل الزعماء "الإسرائيليون" على تعزيز هذا المجتمع العسكري وإقناع أفراده بأن لا حل للقضية الفلسطينية إلا الحرب المتواصلة. ومن هنا كانت حروب أعوام، 1948، 1956، 1967، 1973م.
وقد جاء الكتاب في أربعة فصول:
الفصل الأول تحدث عن المجال النظري لمصطلح التعصب، وفيه مبحثان؛ يتناول المبحث الأول مصطلح التعصب والمصطلحات المقاربة وأنماط التعصب وأنواعها، بينما يتناول المبحث الثاني تفسير التعصب، وهو يضم ثلاث نقاط هي: نظريات التحليل، ونظريات الصراع بين الجماعات، وأخيرًا نظرية التعلم الاجتماعي.
والفصل الثاني تحدث عن مسببات التعصب في الفكر الصهيوني، وهو فصل واسع جدًّا، وفيه مبحثان؛ الأول يتحدث عن المسببات الفكرية، والذي يركز على فكرة "الشعب المختار"، وكون الاختيار دلالة على التفوق، وكذلك الاختيار دلالة على تفوق اليهود عرقيًّا، وفيه فرع ثانٍ يتحدث عن فكرة "النقاء العرقي اليهودي"، أما فرعه الثالث فيتناول مسألة "معاداة السامية".
أما الفصل الثالث فحمل عنوان "وسائل تنمية التعصب في الفكر الصهيوني"، وفيه ثلاثة مباحث؛ يتناول المبحث الأول التنشئة الاجتماعية الدينية، بينما المبحث الثاني يشير إلى التنشئة الاجتماعية، أما المبحث الثالث فيبحث وسائل الإعلام.
أما الفصل الرابع والأخير فقد تناول نتائج التعصب في الفكر الصهيوني ويتضمن مبحثين؛ الأول عن سياسة التمييز العنصري في الداخل، والثاني عن السياسة العدوانية في الخارج.